يرى الخبراء، أنّ هناك حاجة إلى وضع قواعد تنظيمية بارعة للذكاء الاصطناعي، لمواجهة الاضطرابات الوجودية التي ينطوي عليها، والتي ستؤدي إلى تغيير العديد من الوظائف واختفاء الكثير منها.
تحمل الثورات التكنولوجية السابقة دروسا ذات صلة، من بينها ما يسمى بـ”إجمالي الوظائف”. تقول فكرة “مغالطة إجمالي الوظائف” في الاقتصاد أنه لا يوجد سوى الكثير من العمل للقيام به. وإذا ظهرت طريقة أسرع وأرخص للقيام بهذه الكمية الثابتة من العمل، فلا بد أن تختفي الوظائف. وبالتالي فإنّ الآلات تشكل تهديدا؛ وهو ما حصل في مجالي الزراعة والصناعة، والآن يأتي الذكاء الاصطناعي ليشمل العاملين في قطاع الخدمات.
لقد تسببت التحولات الاقتصادية التاريخية في البطالة، لكن إجمالي العمالة استمر في النمو وارتفعت مستويات المعيشة؛ لأنه قد ثبت أنّ كمية العمل المطلوب إنجازها قابلة للتوسيع بشكل لا نهائي. والشيء نفسه ينطبق على الذكاء الاصطناعي. هناك مساران رئيسان يؤديان إلى تشغيل العمالة بهذا النوع من الابتكار.
الاحتمال الأكثر جاذبية هو أنّ الذكاء الاصطناعي يساعد الشركات على بيع المزيد؛ فالتكنولوجيا تجعل موظفي الشركات أكثر إنتاجية، لكن أعمالها تنمو بشكل أسرع من إنتاجية موظفيها، لذلك ينتهي بها الأمر إلى توظيف المزيد من الأشخاص.
وبنظرة إلى الحالة التي قد تكون أكثر شيوعا، وهي أنّ الشركات تجني مزيدا من الأموال عن طريق استبدال العاملين بالذكاء الاصطناعي. لا يزال هذا الانخفاض في الوظائف يقابله مهام جديدة في شركات أخرى تبيع سلعا وخدمات جديدة وربما بالاعتماد على الذكاء الاصطناعي.
ببساطة، التكنولوجيا لا تغير جانب العرض في الاقتصاد فقط، بل إنها تخلق طلبا جديدا؛ فالابتكار الذي أحدث تحولا في الزراعة والتصنيع أدى إلى خلق أسواق لمنتجات جديدة تماما؛ ما زاد من حجم العمل الذي يتعين القيام به.
قبل عقود، كان من الصعب تخيل العديد من المنتجات، كوجود كمبيوتر فائق السرعة في جيب أحدهم، وخدمات أتاحتها التكنولوجيا. اليوم هناك عدد لا يحصى من الناس يتقاضون أجورا جيدة ويعملون فوق طاقتهم لإنتاج سلع وخدمات لم يكن أحد يعلم أنه يريدها، وهذا كله من دون نقص في العمالة.
في العديد من قطاعات الاقتصاد، لا يكون الطلب على العمل الجديد مقيّدا بما قد نحتاج إليه أو ما نريده، وعلى سبيل المثال، لدى جامعة “ييل” الأمريكية عدد من المسؤولين الإداريين تقريبا بعدد طلاب الجامعة. وهذا قدر مثير للإعجاب من العمل الذي يتم إنجازه. وربما سينتهي الأمر بالجامعة بعد بضع سنوات إلى وجود موظفين إدارييَن اثنين لكل طالب جميعهم يعملون بجد.
طريقة التفكير هذه تقترح وصفتين سياسيتين: الأولى توخي الحذر بشأن المقترحات التي تهدف إلى توجيه الابتكار لدعم إنشاء مهام جديدة عوضا عن مجرد أتمتة المهام الحالية وإلغاء وجودها. من المستحيل التنبؤ بالعديد من المهام التي قد نريدها أو نحتاجها، فالأتمتة بحد ذاتها قادرة على خلق طلب جديد، وبالتالي عمل جديد.
الثانية، أنّ ان التحدي الاقتصادي الرئيس، الذي يفرضه الذكاء الاصطناعي لا يتمثل في كيفية تجنب البطالة الجماعية المستمرة، بل كيفية تخفيف آثار الاختلال. وهذا يدعو إلى إنشاء شبكة أمان أقوى، ومشاركة أوسع في ملكية رأس المال، والحد من الاحتكاكات في سوق العمل، والاهتمام الجديد بالتدريب المهني.
موقع “بلومبيرغ” الأمريكي