كتب سليمان جوزيف فرنجية …
في جلستي الأولى معه مع بداية هذا العام الحافل بالأحداث، تعرّفت إلى فيلسوف لبناني من الزمن الذهبي. زمن فلاسفة سطّروا للفلسفة الحديثة قواعد جديدة، وبخاصّة مدرسة الفلاسفة اللبنانيّين التنويريين. من أبناء هذه المدرسة اللبنانية سبق أن كتبت عن الراحل الدكتور هنري كريمونا، أستاذي. أما اليوم، فسأتشرف بالكتابة للتعريف عن فيلسوف الدين وشاعر الروح. هذا الفيلسوف الذي لم يترك لك أي مجال لتخرج من مجلسه دون أن تغرف كنوز المعرفة. لا يمكنك أن تتعرف عليه إلا وتحبّه لعفويته وتواضعه. في هذه المقالة القصيرة، سنتعرّف إلى هذه الشخصية الجميلة الروح والقلب.
أديب وليم صعب فيلسوف وشاعر لبناني واسع الثقافة، مارسَ التعليم الجامعي والصحافة الفكرية الثقافية. وُلِدَ في بيروت، والده الشاعر وأمير الزجل اللبناني والصحافي والمربّي وليم صعب من تحويطة الغدير – الشويفات، ووالدته المربّية ليندا صايغ من بشامون. تزوج أديب صعب من السيدة إيلين شفيق دمعة أواخر العام 1977، التي حصلت على الدكتوراه في العلوم الاجتماعية من جامعة باريس وعُيّنَت أستاذة في معهد العلوم الاجتماعية في الجامعة اللبنانية. تلقى دراسته الابتدائية والثانوية في مدرسة الراعي الصالح، بيروت؛ ثم حصل على الإجازة في الأدب العربي من الجامعة الأميركية في بيروت ودبلوم في التربية والتعليم، ثم على ماجستير في الفلسفة من الجامعة نفسها، قبل أن يحصل على الدكتوراه في الفلسفة والدراسات الدينيّة من جامعة لندن ويعلّم في الجامعة الأميركية قبل أن يتفرغ لتعليم الفلسفة في معهد القديس يوحنا الدمشقي اللاهوتي في البلمند، شمال لبنان، وهو نواة جامعة لبنانية كبيرة، وللتأليف.
كيف لا يكون استثنائيا وهو الفيلسوف والشاعر. منذ الثالثة ابتدأ بالشعر لينسج، في مرحلة النضج، خطاً شعرياً خاصاً به. نشر، وهو على مقاعد المدرسة، مجموعة بعنوان “قيثارة الضّياء”، يصفها بأنها “من قصائد الطفولة”. لكن عدداً من كبار أدباء العصر كتبوا عنها بإعجاب، وبينهم أدونيس وميخائيل نعيمة. تلت مرحلة نضج، وجد فيها أديب صعب خطاً شعرياً خاصاً به، تجلى في المجموعات الآتية:
- “أجراس اليوم الثالث”، 1969.
- “مملكتي ليست من هذا العالم”، 1981.
- “حيث ينبع الكلام”، 2019.
- “الوجه الآخر للكون”، مختارات شعرية ترجمها فريق من أساتذة جامعة بون إلى اللغة الألمانية، 2020.
- “مرسى النور”، 2024.
وقد كتب كبار الشعراء والنقاد العرب عن هذه المجموعات، التي أعدها أديب صعب لتصدر في كتاب كبير يضم أعماله الشعرية الكاملة.
في مقالة للكاتب محمود شريح تحت عنوان “أديب صعب يقارع نظرة الفلاسفة إلى الدين”، نشرت في السابع عشر من أيلول عام 2022، نقرأ: “الكتب العربية في فلسفة الدين قليلة جداً، والكثير منها مترجَم. وعلى أهمية الترجمة، خصوصاً في سبيل ترسيخ موضوع جديد في ثقافة معينة، إلا أن التأليف الأصيل هو الذي يصنع المشهد الثقافي. وإذا كانت الكتب المترجمة إلى العربية في فلسفة الدين ضئيلة، فالكتب المؤلَّفة نادرة. ويكفي أديب صعب أنه صاحب كتب خمسة متكاملة في هذا الموضوع المهم، يتوّجها كتابه «المقدمة في فلسفة الدين». كتب تجعل من صاحبها فيلسوفاً عربياً معاصراً، صاحب منهج وبناء فلسفي خاصَّين به”. في هذا النصّ تلخيص عن فكر دكتور الفلسفة الذي جعل فلسفة الدين ملعبه، وأعطاها أبعادًا جديدة مختلفة تماما عمن سبقوه. في رصيده الفلسفي خمسة كتب هي كما يلي:
- “الدين والمجتمع: رؤية مستقبلية”، 1983.
- “الأديان الحية: نشوؤها وتطورها”، 1993.
- “المقدمة في فلسفة الدين”، 1994.
- “وحدة في التنوع: مَحاور وحِوارات في الفكر الديني”، 2003.
- “دراسات نقدية في فلسفة الدين”، 2015.
وفي القريب ستصبح هذه المجموعة سداسية مع كتاب في فلسفة الشعر والفن.
لأديب صعب مجموعة كتب في الدراسات الحضارية أو النقد الثقافي، منها:
- هموم حضارية: في الثقافة والسياسة والنهضة المنشودة، 2006.
- وليم صعب، شاعر القضايا الأزلية، 2015.
له عدد كبير من الدراسات الفلسفية والأدبية، صدرت في كتب محررة وفي مجلات علمية عربية وعالمية. أما مجلة “الأزمنة”، التي وضع تصورها وخطتها ورأس تحريرها طوال فترة صدورها أواخر القرن الماضي وكانت منبراً لطليعة المفكرين والأدباء التنويريين العرب، فقد كانت، كما وصفها أحد المثقفين آنذاك، “فخر الصحافة الفكرية الثقافية العربية”.
نتمنى للفيلسوف – الشاعر أديب صعب، الذي لا يزال يغْني المكتبة العربية بإنتاجه الفكري والشعري المميز، سنين مديدة من النشاط والإبداع والعطاء.