كتب ألان سركيس في “نداء الوطن”:
شكّل 13 تشرين 1990 تاريخاً مفصلياً في لبنان، يومها أُطيح رئيس الحكومة الانتقالية العماد ميشال عون، ودخلت الجمهورية زمن «اتفاق الطائف»، وبسطت سوريا سيطرتها على لبنان، وعملت على إعادة تكوين الجيش اللبناني بإمرة قائد الجيش آنذاك العماد إميل لحود.
أوّل ما قام به النظام السوري بعد تسلّم لحود قيادة الجيش، ضرب عمل جهاز الاستخبارات، كما كان، فبعد نيل الاستقلال وصولاً إلى الحرب الأهلية، كان العمل الاستخباراتي يتركّز على مواجهة الأخطار الآتية من الجماعات المخرّبة والأحزاب التي لا تؤمن بنهائية لبنان، فصوّب عمل المخابرات والشبكات الجديدة على ملاحقة الشباب المسيحي المنتفض على وضع اليد على البلاد، لكن العمل الاستخباراتي شيء، ومسألة قيادة الجيش شيء آخر.
إرتبط تعيين قائد جديد للجيش بانتخاب رئيس جمهورية وانطلاق العهد الجديد، فما هو معترف به أنّ الرئيس يأتي و»عدّة الشغل» معه وعلى رأسها قيادة الجيش. وبعد فترة يتصادم الرئيس مع القائد بسبب الطموح الرئاسي لكل قائد جيش ورغبة أي ماروني يجلس على كرسي بعبدا في التمديد أو التجديد.
وإذا كان قائد الجيش ملاصقاً للرئيس وتبلغ ولايته 6 سنوات، فقد خُرقت القاعدة بعد «الطائف»، وكل قائد جيش قطن اليرزة أكثر من هذه المدّة.
كان من المفترض تولّي العماد لحود قيادة الجيش 6 سنوات، لكنّ التمديد للرئيس الياس الهراوي عام 1995 أبقاه في اليرزة إلى عام 1998 لينتقل بعدها إلى بعبدا. ومع انتقال لحود إلى بعبدا، تمّ تعيين العماد ميشال سليمان قائداً للجيش، ويفترض امتداد ولايته العسكرية 6 سنوات، ولكن أبقى أيضاً التمديد للحود عام 2004 العماد سليمان في اليرزة إلى عام 2008 قبل انتقاله إلى بعبدا في 25 أيار من العام نفسه، وبالتالي يُعتبر سليمان حتى هذه اللحظة أكثر قائد جيش قطن اليرزة، فهو أمضى 9 سنوات خلال ولاية لحود الأصلية والممدّدة و7 أشهر في ظلّ الفراغ الرئاسي قبل تسوية «الدوحة».
إنتُخب سليمان، القائد الثالث للجيش بعد شهاب ولحود رئيساً للجمهورية، فعُيّن العماد جان قهوجي قائداً للجيش، ولم يقبل سليمان التمديد له سنة مثلما طرحت باريس وقتها، وغادر بعبدا ليل 24-25 أيار 2014، لكنّ قهوجي بقي في اليرزة وتمّ التمديد له وبقي لأشهر بعد انتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية في31 تشرين الأول 2016، وبالتالي بقي قهوجي في اليرزة 8 سنوات و8 أشهر.
شكّل وصول العماد ميشال عون إلى بعبدا ارتياحاً مسيحياً ووطنياً، فانتُخب بعد دعم «حزب الله» له وإبرام «اتفاق معراب» ودخول كل من الرئيس سعد الحريري والنائب السابق وليد جنبلاط التسوية الرئاسية، وعُيّن العماد جوزاف عون قائداً للجيش، وظنّ الرئيس عون وصهره رئيس «التيار الوطني الحرّ» النائب جبران باسيل أن بإمكانهما السيطرة على الجيش بفضل الوجود في بعبدا وقرب العماد جوزاف عون منهما، لكنّ العماد خيّب آمالهما وعمل وفق ضميره وما تقتضيه المصلحة الوطنية.
ترك عون الرئيس قصر بعبدا وبقي عون العماد في اليرزة، وبالتالي مرّ على وصول العماد جوزاف عون إلى اليرزة 7 سنوات، ولا أحد يعرف كيف ستكون نهاية هذه الحقبة.
لا ترتبط حسابات قائد الجيش بالداخل فقط، فهي مرتبطة بشكل مباشر بواشنطن، إضافةً إلى بعض التوازنات. ومهما خاض باسيل معركة كسر العماد جوزاف عون أو شطبه، فليس هو الطرف المقرّر. ويستطيع «حزب الله» مسايرته، لكن عند وصول اللعبة إلى الخطوط الحُمر يمشي كل واحد في طريقه.
وتُشير آخر المعطيات، إلى وضع ملف التمديد لقائد الجيش على نار حامية على الرغم من بعض الاعتراضات الداخلية وتأجيل جلسة مجلس الوزراء الأخيرة، والإخراج يتمّ حسب الأصول القانونية لكي لا يُطعن به، وبالتالي دخلت البلاد في المرحلة الأخيرة الحاسمة في ما خصّ قيادة الجيش. والتجارب تعلّم أن رئيس الجمهورية يرحل عن بعبدا بينما يستمرّ قائد الجيش في مهامه سواء في اليرزة إذا سيطر الفراغ أم عندما ينتقل إلى بعبدا.