كنب ناجي شربل وأحمد عز الدين في “الأنباء”:
انتقل الدور بعد الرابعة فجر الأربعاء 27 تشرين الثاني 2024 إلى أضواء مصابيح السيارات لتضيء ليل الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية، بدلا من نار الصواريخ التي لطالما ألقتها الطائرات الحربية الإسرائيلية مند ليل الثالث والعشرين من سبتمبر الماضي، تاريخ توسيع إسرائيل حربها على لبنان.
مصابيح سيارات لمواطنين لبنانيين بادروا على الفور بالعودة إلى بلداتهم وقراهم بعدما غادروها نازحين إلى أرجاء الوطن. وعادوا فور بدء سريان وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله» إثر حرب تدميرية غير مسبوقة. لم يأخذ المواطنون اللبنانيون بالتعليمات الصادرة عن الجيش الإسرائيلي بتحذيرهم من العودة، لا بل سابقوا بزوغ الفجر في الوصول إلى بلداتهم وقراهم غير المشمولة بالاحتلال الإسرائيلي، وتلك التي يتواجد فيها جنود الجيش الاسرائيلي. ووجد الإسرائيليون أنفسهم أمام الناس في الخيام وغيرها، فتحصنوا بسلاحهم داخل المباني، فيما الناس يهتفون أمامهم في العراء ملوحين برايات النصر.
وعرفت الأجواء اللبنانية والبلدات والقرى من الجنوب والبقاع مرورا بالساحل الممتد من الحدود الدولية في الناقورة جنوبا إلى الصرفند وصيدا والضاحية الجنوبية وصولا إلى عدد من أحياء العاصمة بيروت، وانتهاء بالشمال وعكار.. عرفت زنار نار إسرائيلي ختامي لحرب إسرائيلية موسعة استهدفت بداية «حزب الله» في 23 أيلول الماضي، ثم طالت كل لبنان حتى الثانية قبل الأخيرة من دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ الساعة الرابعة فجر الأربعاء 27 تشرين الثاني.
ودخلت هدنة الـ60 يوما المدرجة في الاتفاق بين إسرائيل والحكومة اللبنانية نيابة عن «حزب الله» حيز التنفيذ، لتطوى صفحة الحرب، وتفتح صفحة جديدة في تاريخ البلاد خاصة بـ«اليوم التالي» للحرب، لجهة حسابات الربح والخسارة.
إلا أن الصفحة الأولى جاءت في الملف السياسي الخاص بانتخاب رئيس للجمهورية وسد الشغور العائد لما بعد 31 أكتوبر 2022، بوصول المبعوث الفرنسي جان إيف لودريان للقاء مسؤولين لبنانيين، والبحث في مبادرته التي عمل عليها طويلا في زيارات إلى بيروت وبلدان عدة بينها الولايات المتحدة الأميركية والسعودية والفاتيكان.
وفي نصف الساعة الأخير السابق لموعد وقف إطلاق النار، اهتزت أرجاء العاصمة بيروت وصولا إلى ساحل المتن الشمالي، على ارتجاجات جراء غارات للطيران الحربي الإسرائيلي على منطقة الجناح بالضاحية الجنوبية لبيروت. وأمكن سماع أصوات ناجمة عن تحليق الطائرات. كما أسدلت ستارة الحرب على قطع كافة المعابر البرية بين لبنان وسورية، باستهداف الطيران الحربي الإسرائيلي المعابر الحدودية في العريضة ساحلا والعبودية وجسر قمار في بلدة البقيعة العكارية الحدودية، وذلك بعد استهداف معبر المصنع الحدودي الرئيسي في البقاع في وقت سابق من الحرب، ومعابر أخرى في القاع وبلدات أخرى.
طويت صفحة سوداء بكل مآسيها من قتل ودمار لم يشهد له لبنان مثيلا، مع اكثر من نحو 20 الف شخص بين قتيل وجريح، والعدد قابل للارتفاع بعد معرفة مصير المفقودين أو من هم تحت الركام. وثمة مدن دمرت وآلاف الأبنية سويت بالارض وعدد لا يمكن ان يحصى من الوحدات السكنية اختفت.
وقالت مصادر مطلعة لـ«الأنباء»: «على الرغم من قساوة الوضع، فإن الأمل في طي هذه الصفحة والبدء بتكريس استقرار وليس مجرد هدنة مرشحة للسقوط بعد فترة من الزمن. وفي هذا الإطار فإن عراب الاتفاق المبعوث الأميركي آموس هوكشتاين الذي أرسل كتابا خطيا إلى الحكومة اللبنانية عن بدء سريان وقف النار، أكد ان هذا الوقف للنار هو دائم وينهي الأعمال العدائية، ويجب تطبيق القرار 1701، بكامل البنود حتى لا يتكرر ما حصل عام 2006، مشيرا إلى أن آلية المراقبة قيد التأسيس للعمل على منع أي خروقات، وانه سيكون هناك دعم كلي للجيش اللبناني ليقوم بمهامه».
وأعلن في بيروت ان الجيش المعزز بوحدات من النخب والذي كلفته الحكومة بتطبيق القرار 1701، سيضع خطة لإعادة النازحين إلى بلداتهم، وسيحدد المناطق الآمنة ليعود اليها النازحون تباعا. الا ان اندفاعة الناس في اتجاه الجنوب «خلطت» كل الخطط.
وفيما الجيش سيقوم بمهمة حساسة ودقيقة، فإن الحكومة أمامها ورشة عمل كبيرة على غير صعيد: انمائي واقتصادي وسياسي. وعلى الصعيد الحياتي ستكون في مواجهة تأمين الإيواء لعدد غير محدود من العائلات التي أصبحت دون مأوى، حيث ان نهاية الحرب ستكشف حجم الدمار الذي يفوق التصور، سواء لجهة الأبنية المدمرة كليا، أو تلك غير الصالحة للسكن وتحتاج إلى ترميم أو تأهيل.
ومعلوم ان إمكانات الدولة معدومة، وبالتالي فإن التوجه إلى مساعدات عربية ودولية أو عبر صندوق النقد الدولي، وان تحركا في هذا الاتجاه قيد الإعداد، وأفيد بأن الدول الراعية لاتفاق وقف النار أخذت هذا الأمر في حساباتها.
رئيس مجلس النواب نبيه بري وفي كلمة متلفزة قال إن اللبنانيين بأمس الحاجة إلى الوحدة الوطنية بعد أن «تمكن لبنان من إحباط مفاعيل الاعتداء الإسرائيلي ونبدأ بمرحلة جديدة بعد اتفاق وقف إطلاق النار».
وأضاف: «نطوي لحظة تاريخية كانت الأخطر على لبنان هددت شعبه وتاريخه.. اللحظة هي امتحان لكل لبناني وللشيعي قبل اي لبناني آخر، وهي امتحان كيف ننقذ لبنان ونبنيه ونعيد الحياة لمؤسساته الدستورية وأولاها انتخاب رئيس للجمهورية».
وناشد بري «القوى السياسية الوحدة لأن اللحظة الراهنة هي ليست للرقص فوق الدماء بل أن نحفظ لبنان واحدا». وتوجه إلى النازحين بالقول: «عودوا إلى أرضكم التي حولها المقاومون إلى جمر لا يداس وحتى لو كانت الإقامة عليها فوق الركام».
رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي وبعد جلسة للحكومة أكد «على المرجعية الأمنية للجيش في الجنوب بما يسقط الحجج التي يرتكز عليها العدو». كما شدد على أن «الحكومة ستنفذ القرار 1701 بمندرجاته كافة خصوصا فيما يتعلق بتعزيز حضور الجيش في الجنوب وإعادة انتشاره». وأضاف ميقاتي: «في هذا اليوم تبدأ مسيرة الألف ميل لإعادة إعمار ما تهدم، واستكمال تعزيز دور المؤسسات الشرعية وفي طليعتها الجيش الذي نعلق عليه الآمال العريضة في بسط سلطة الدولة على كل مساحة الوطن وتعزيز حضوره في الجنوب الجريح».