جاء في “الراي الكويتية”:
على وقع «حبْس الأنفاس» الذي يسود بيروت مع توَهُّج نار الحرب عبر الجبهة الجنوبية، تتجه الأنظارُ إلى قمة باريس بين الرئيسين الفرنسي ايمانويل ماكرون والأميركي جو بايدن في الثامن من حزيران، بعدما تقاطعتْ المعلوماتُ عند أن لبنان (حرب الجنوب والفراغ الرئاسي) سيكون على الطاولة إلى جانب أوكرانيا وغزة وسواهما، بدفْعٍ من الإليزيه الذي «يقاتل» لحِفْظ ما تبقّى من دورٍ تاريخيّ له في لبنان بعدما تَراجَعَ نفوذُه في غير مكان.
ولم يَعُدْ خافياً ان زيارة الموفد الرئاسي الفرنسي جان – إيف لودريان لبيروت الأسبوع الماضي (وهي السادسة له في إطار المساعدة لكسْر المأزق الرئاسي في لبنان) كان الهدفُ منها وضْع تقريرٍ يَنْطوي على خلاصاتٍ بِرَسْمِ قمة ماكرون – بايدن، تماماً كما كانت الغاية من اتصال الـ40 دقيقة الذي تلقّاه رئيس البرلمان نبيه بري من الموفد الأميركي آموس هوكشتاين في شأن ترتيباتِ «اليوم التالي» للحرب في جنوب لبنان.
ورغم أن فرنسا «تتطوّع» لمشاركةِ الولايات المتحدة في صوغِ الاتفاق – الإطار حيال مستقبل جنوب لبنان بعد أن تَصْمُتَ المَدافعُ بين إسرائيل و«حزب الله»، فإن اهتمامَها الأهمّ منصبٌّ على لبنان السياسي، الذي رجّح لودريان «زواله» في حال لم يتم تحرير الرئاسة المخطوفة من الفراغِ في وقتٍ وشيك، وهو الاهتمام الذي كان دشّنه ماكرون غداة الانفجار – الهيروشيمي الرهيب في مرفأ بيروت قبل نحو أربعة أعوام، مطلقاً المبادرة تلو المبادرة من دون أي نتائج يُعْتَدُّ بها.
ورغم ما قيل عن الزيارة الأخيرة للودريان والـ «لا نتائج» التي خَرَجَ بها من المسعى لردْم الهوةِ بين القوى السياسية اللبنانية على نحوٍ يتيح مدَّ جِسْرٍ لإمرارِ الانتخابات الرئاسية، فإن الثابتَ أن الدينامياتِ الدوليةَ والإقليمية وحتى المحلية لم تنجح في فك أسْر الاستحقاق المعلَّق خلف أبواب موصدة يُمْسِك «الثنائي الشيعي» – أي «حزب الله» والرئيس بري – بقِفْلها ومفتاحها في إطار الصراع على التوازنات داخل السلطة وعلى الموقع الإقليمي للبنان.
واللافت أن الفراغَ الرئاسي المتمادي منذ نحو 18 شهراً يستجرّ حراكاً كثيفاً بنتائج ضئيلة وكأنه يُراد من هذا الحِراك إحداثَ ربْط نزاعٍ حول الرئاسة ما دام يصعب فكّ الاشتباك حولها بعد «العصيان» الذي يمارسه الثنائي الشيعي خلْف مرشحه الوحيد سليمان فرنجية والذي تحوّل اسماً حَرَكياً لمعركة «التحكم والسيطرة» على المواقع الرئيسية في البلاد، كما هو الحال في الإمرة الإستراتيجية عموماً.
فمن المشوار الطويل لسفراء الدول الخمس (الولايات المتحدة، فرنسا، السعودية، مصر وقطر) إلى التحرك الذي بدأه أمس «اللقاء الديموقراطي» برئاسة تيمور وليد جنبلاط (في اتجاه رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع ورئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل)، مروراً بأدوار موازية لفرنسا حيناً ولقطر أحياناً ومبادرات داخلية كتلك التي قامت بها كتلة «الاعتدال الوطني»، جميعها كأنها مَساعٍ لإبقاء الانتخابات الرئاسية المصابة بغيبوبةٍ مديدةٍ في «غرفةِ الإنعاش» لضمانِ الحدّ من اختلال التوازن الداخلي وتحقيق حدٍّ أدنى من التوازن الإقليمي إلى حين تدقّ ساعة الرئيس العتيد.