كتب رمال جوني في “نداء الوطن”:
إسرائيل تلاحق الرعيان إلى منازلهم، هذا ما حصل مع علي ومحمد قاسم اللذين دفعا ضريبة صمودهما في حولا. إذ ما كادا يصلان إلى منزلهما حتى قضت غارة إسرائيلية على المنزل فسوته أرضاً وقتلتهما. لم يترك الشابان بلدتهما، فضّلا البقاء للإهتمام بماشيتهما مصدر رزقهما الوحيد. بقيا يسرحان بالقطيع، وينتجان الحليب واللبن، يوزعانهما على التجار في قرى تبنين.
فترك حولا بالنسبة إليهما، كان بمثابة القضاء على رزقهما أي المواشي، أو بيعها بربع ثمنها، من هنا كان قرار البقاء ولو كان الثمن الموت، على ما يقول رئيس بلدية حولا شكيب قطيش الذي يرى بسقوط الشابين ضريبة الصمود ولقمة العيش، لأنه «لو كان هناك دولة تهتم بأبنائها وتقف إلى جانبهم في هذه الظروف لما كانت النتيجة أن يموت الناس ضحية لقمة العيش».
يخيم الدمار على بلدة حولا، كما جارتها ميس الجبل وباقي القرى، وإن كانت نسبة الدمار داخلها لا تتجاوز الـ30 في المئة وهي نسبة صغيرة مقارنة بباقي القرى، يشير قطيش الذي يتوقف عند حجم الخسائر البشرية والمادية التي أصابت البلدة، فهي خسرت 6 ضحايا في الايام القليلة الماضية يقول قطيش، ناهيك عن القضاء على كل مقومات الحياة الاقتصادية. بحسبه الخسائر كبيرة «كل شيء معطّل حتى إشعار آخر، في وقت لم تدخل مساعدات الدولة على خط مواجهة الحرب بعد، وبقي النازحون بمنأى عن أي دعم، وهذا ما دفع بعلي ومحمد ليبقيا في حولا يواجهان الخطر، ولا يجربا مرارة النزوح وتداعياته». يتكئ غالبية سكان حولا على القطاع الزراعي لتوفير سبل حياتهم، هذا القطاع مجمد حالياً حتى انتهاء الحرب، ومعه حياة السكان مجمدة إقتصادياً، وعليه يرزحون تحت وطأة ظروف معيشية لا يحسدون عليها، يقول قطيش الذي يتوقع الأسوأ، لا سيما في ظل موجة التصعيد الخطيرة التي بدأها العدو قبل ثلاثة أيام وأدخلت كل الجنوب داخل حزام نار مشتعلة، ولم تعد هناك بلدة أو قرية آمنة، بل باتت كل القرى تحت الخطر.
لم يبق في حولا سوى 20 شخصاً يواجهون الخطر اليومي، يرفضون مغادرة البلدة، ويصرون على البقاء تحت الخطر، مساعٍ كثيرة بذلت لأجل اخراجهم غير أنها باءت بالفشل، يقول قطيش، الذي يؤكد أن هؤلاء تتوفر لهم مقومات الصمود الرئيسة، يربط سبب بقائهم بالوضع المعيشي الصعب، كثير ممن نزحوا يواجهون ظروفاً صعبة، لم تقف الدولة قربهم، ولن تقف.
ثمة حقيقة أخرى تفرض نفسها اليوم، من يعوض على الضحايا المدنيين ويؤمن ظروف الحياة لعائلاتهم؟ سؤال يجيب عنه قطيش بالقول: «حين تحضر الدولة، يحضر التعويض، ولكن الدولة غائبة كلياً لأسباب عديدة، وحين تحضر، قد يكون هناك من تعوض عليه أو لا يكون».
هو التصعيد الأخطر الذي يعيشه جنوب لبنان منذ بداية الحرب، تكاد لا تهدأ الغارات الاسرائيلية المعادية، وبدأ عداد الضحايا المدنيين يرتفع والدمار يتوسع أكثر، ومعها دخلنا في مرحلة حرب الأسلحة الثقيلة والعين كلها على الميدان.