كتب أحمد الأيوبي في “نداء الوطن”:
تمكّن وزير الثقافة القاضي محمد وسام المرتضى من تنظيم احتفالية ناجحة لإطلاق فعالية “طرابلس عاصمة الثقافة العربية”، فعاد شيءٌ من بهاء المدينة ورونقها الذي طمسته عقود الإهمال والهجر من الدولة. واللافت في كلّ هذا المشهد إصرار الحكومة على عدم تقديم أيّ دعم لهذه الفعالية رغم رعاية رئيسها لها وحرصه على حضور أنشطتها، ممّا يجعل العمل محدودَ الإمكانات بالقياس إلى الطموح بجعل طرابلس بالفعل عاصمة الثقافة العربية.
هناك إجماعٌ على تقدير الجهود التي يبذلها الوزير المرتضى لإنجاح هذا المشروع، وهو تمكّن من التعامل بمرونة مشهودة مع كلّ أطياف المدينة ونوابها وتياراتها، وتجيير كلّ الزخم المتاح لصالح تظهير صورة وواقع إيجابي لطرابلس. لكنّ هذا لا يكفي، لأنّ الاستمرار بتحقيق المزيد من النجاح المتراكم يتطلّب توفير إمكانات الحدّ المعقول لإنجاز ما يتطلّبه هذا الموسم الخاص من أنشطة يُفترَض أنّ قسماً منها يستوجب استضافة المبدعين العرب من كل الاختصاصات والبلدان، كما يتطلّب إمكانات لتأمين الحركة المحلية في الشمال وفي لبنان عموماً، وهذا يستلزم أن تخصّص الحكومة إمكانات مالية ولوجستية بدل الصفر الذي يسيطر حالياً على المسافة الفاصلة بين قصر الرئيس نجيب ميقاتي ومكتب الوزير المرتضى في بلدية الميناء حيث الجوار الجغرافي والفراغ الحسابيّ الماليّ، رغم حسن العلاقة الذي نريده أن يستمر على أن يكون مثمراً بشكل سريع.
يُسجَّل لبلدية طرابلس، برئيسها الدكتور رياض يمق وأعضاء مجلسها وخاصة رئيس لجنة الآثار والتراث الدكتور خالد تدمري، أنّها خصّصت مبلغ نصف مليار ليرة لبنانية لصالح فعاليات “طرابلس عاصمة الثقافة العربية” ذهب قسم كبير منها لصالح تأهيل مساحات معرض رشيد كرامي الدولي وتأمين المستلزمات اللوجستية لاحتفال إطلاق هذه الفعالية، مع إبداء الاستغراب للاستبعاد الذي حصل للدكتور رياض يمق عن توقيع اتفاقية التوأمة مع مدينة القدس، في خطوة قال البعض إنّها ناجمة عن ترتيبات قام بها بروتوكول السراي الحكومي دفعت أيضاً إلى تأخير مكان جلوس أعضاء المجلس البلدي إلى ما بعد وسط قاعة المؤتمرات، في انعكاسٍ لعدم الانسجام القائم بين الرئيس ميقاتي وبين رئيس المجلس وأعضائه، وبغضّ النظر عن السبب، فإنّ هذا الإشكال يحتاج إلى معالجة، لأنّ المجلس البلدي سيبقى قائماً حتى إجراء الانتخابات البلدية وهو تاريخ مفتوح على كلّ الاحتمالات، ولا تحتمل طرابلس المزيد من التصدعات والصراعات المعلنة أو الباردة مع رئاسة الحكومة.
يتوق المعنيون إلى أن تحصد طرابلس في ختام موسم عاصمة الثقافة العربية بعض المشاريع المستدامة، مثل متحف يحفظ آثارها، ومركز توثيق يحتوي تراثها الحضاري الديني (الإسلامي والمسيحي) والتاريخي والاجتماعي والثقافي والأدبي والسياسي والاقتصادي والإعلامي، وترميم المبنى التاريخي لبلدية طرابلس الذي تتوفر أمواله ولا يتوفر القرار للتنفيذ، وترميم وتأهيل معرض رشيد كرامي الدولي بعد أن أصبح معلماً مسجلاً في لائحة التراث العالمي، وكذلك تشغيل الفندق التابع له، وهو الفندق الرئيس في المدينة، وكذلك تشغيل قلعتها التاريخية برؤية تنموية وتسويقية جديدة تشمل معالمها التاريخية الإسلامية والمسيحية التي يبلغ عددها 57 كنيسة مبنيّة في مختلف أحياء طرابلس التاريخية والتي تعطيها الهوية اللبنانية القائمة منذ قرون على الشراكة الإسلامية المسيحية وتربطها بمحيطها الحضاري المرتقي إلى وادي قاديشا المقدس والممتدّ إلى عكار بآثارها وطبيعتها الخلابة.
جميلٌ أن نرى مسارعة الرئيس ميقاتي إلى رعاية وحضور أنشطة فعالية يشعر أهل طرابلس أنّها فرصتهم لكسر الانحدار الذي تعانيه مدينتهم، لكنّ الرعاية شيء والفعل شيء آخر، والطموحات تتعالى مع انطلاق هذه الفعالية، فهل تتحقّق أم تتهاوى في حال استمرار التجاهل وإدارة الظهر لما يتوق إليه الطرابلسيون؟ وهل تلتفت إليهم الدولة هذه المرة؟ أم أنّ سياسة التهميش عصيّةٌ على التغيير؟