كتب محمد شقير في “الشرق الاوسط”:
يواجه الموفد الرئاسي الفرنسي إلى لبنان جان إيف لودريان، في زيارته السادسة لبيروت التي يبدأها، الثلاثاء، مجموعة من الطروحات المعقدة والمتضاربة من شأنها أن تشكل تحدّياً له في سعيه لإخراج الاستحقاق الرئاسي من التأزُّم بتسهيل انتخاب رئيس للجمهورية، بالتعاون مع سفراء «الخماسية»، ذلك إذا لم يتوصل في لقاءاته إلى صيغ مركّبة لا تزعج المعارضة، ولا تُقلق «محور الممانعة»، وإن كان يصطدم بموقف «حزب الله» الذي يكرر على لسان أمينه العام حسن نصرالله ربط التهدئة في جنوب لبنان وانتخاب الرئيس بوقف إطلاق النار في غزة، ولم يعد بمقدوره التراجع عن موقفه في هذا الشأن، وإلا فماذا سيقول لمحازبيه ومن خلالهم لمناصريه؟
وفور وصوله إلى بيروت، سيجد لودريان نفسه مضطراً للبحث عن صيغة توافقية من شأنها أن توفّر مخرجاً لتحفّظ «الثنائي الشيعي» على ما ورد في بيان سفراء «الخماسية»، لجهة دعوتها للتشاور للاتفاق على اسم مرشح لرئاسة الجمهورية، وفي حال تعذّر التوافق بين الكتل النيابية، لا بد من الذهاب إلى البرلمان بلائحة تضم 3 مرشحين لانتخاب أحدهم رئيساً، في جلسة نيابية مفتوحة بدورات متتالية إلى حين انتخابه، في مقابل تعامل قوى المعارضة بإيجابية مع البيان، والنظر إليه، كما تقول مصادرها لـ«الشرق الأوسط»، بأنه ينطق بلسان حالها، ويشكل خريطة الطريق الواجب اتباعها لوقف تعطيل انتخاب الرئيس.
ومع أن رئيس المجلس النيابي نبيه بري يتريّث في تحديد موقفه النهائي من بيان سفراء «الخماسية»، الذي أتى على ذكر التشاور لعقد جلسة نيابية مفتوحة، وأسقط منه أي إشارة للحوار الذي كان قد دعا إليه منذ أكثر من سنة ونصف، فإنه يفضّل أن يترك جوابه النهائي على البيان إلى ما بعد استقباله لودريان، الأربعاء، ليكون بوسعه أن يبني، كما تقول مصادره لـ«الشرق الأوسط»، على الشيء مقتضاه في ضوء ما سيسمعه منه.
لكن تفضيل بري التريث وعدم إحراق المراحل لم يمنع مصدراً نيابياً بارزاً، عند سؤاله عمّا إذا كان بيان «الخماسية» أصبح خلفه، من القول إنه على الأقل ليس أمامنا.
وينقل عن بري قوله إنه يستغرب موقف البعض حيال دعوته للحوار، ويسأل: «أين تقع المشكلة؟ فمن الممكن أن تتوصل الكتل النيابية إلى التوافق على رئيس في يوم أو يومين أو ثلاثة، وعندها نذهب إلى البرلمان لانتخابه في أقل من أسبوع». ويضيف أن «من يرفض الانخراط في حوار من هذا النوع عليه أن يتحمل مسؤولية ما يترتب على رفضه، وعندها يكون ذنبه على جنبه».
وعند سؤال المصدر نفسه عن موقف بري من دعوة باريس لاستضافة حوار، على أن يخصص للتداول في انتخاب رئيس للجمهورية، يجيب «الشرق الأوسط» بسؤال فحواه: «لماذا في باريس وليس في بيروت أو في دولة عربية يُتفق على اختيارها»؟ هذا مع أن لفرنسا دوراً مساعداً لإخراج انتخابه من التأزُّم، ولا يتنكّر أحد لدورها، وهي مشكورة.
يبدو أن الطريق أمام لودريان، كما تقول مصادر مواكبة لأجواء التأزم المسيطر على الوضع اللبناني لـ«الشرق الأوسط»، ليس سالكاً سياسياً لانتخاب الرئيس، إلا في حال حصول مفاجأة ليست في الحسبان يحملها في جعبته، وتتضمن مجموعة من الأفكار لإحداث خرق في الحائط المسدود الذي لا يزال يعطّل انتخابه، وبالتنسيق مع سفراء «الخماسية» الذين قالوا كلمتهم في البيان الذي أصدروه بدعوة من السفيرة الأميركية ليزا جونسون التي تلتقي الرئيس بري، الاثنين، قبل مغادرتها إلى واشنطن للمشاركة في اللقاء السنوي لسفراء الولايات المتحدة، لإطلاعهم على ما آلت إليه الاتصالات لإنهاء الشغور في رئاسة الجمهورية.
وتلفت المصادر المواكبة إلى أن امتناع «حزب الله» عن البحث في ملفي انتخاب الرئيس وتطبيق القرار 1701 ما لم يجرِ التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار على الجبهة الغزاوية، سيؤدي حتماً إلى تمديد الفترة الزمنية لتقطيع الوقت، وتؤكد أنها تخشى ألا يتوصل لودريان، من خلال مروحة اللقاءات التي سيعقدها مع الكتل النيابية، إلى ما يعيد الحرارة لوضع انتخاب الرئيس على نار حامية، ومن ثم تنتهي زيارته إلى «تبرئة ذمّته» حيال ما يمكن أن يترتب على البلد من تداعيات، جراء إصرار إسرائيل على توسعة الحرب لتشمل جنوب لبنان.
وتكشف المصادر نفسها أن الوسيط الأميركي أموس هوكشتاين ينتظر بفارغ الصبر ليعاود تشغيل محركاته بين بيروت وتل أبيب لتطبيق القرار 1701، وذلك فور التوصل إلى وقف للنار على الجبهة الغزاوية. وتقول إنه يجول بعيداً عن الأضواء على عدد من الدول المعنية بتهدئة الوضع جنوباً، وتؤكد أنه توصل إلى وضع العناوين الرئيسية لتطبيق القرار 1701، لكن ربط «حزب الله» الجنوب بغزة يدعوه للتريث، وإن كان ربطه ما هو إلا رسالة سياسية ليس بمقدور لودريان أن يتخطاها سعياً لتسهيل انتخاب الرئيس، مع أنه بات على قناعة، أسوة بسفراء «الخماسية»، أنه لا مفر من ترجيح الخيار الرئاسي الثالث بوصفه ممراً إلزامياً للعبور بانتخاب الرئيس إلى بر الأمان.
وترى المصادر السياسية أنه لا علاقة لبيان سفراء «الخماسية» بترحيل انتخاب الرئيس، وتقول إن تأخير انتخابه يبقى أولاً وأخيراً محصوراً بإيجاد تسوية من شأنها إيجاد صيغة بالتراضي، تأخذ في الحسبان أنه لا قدرة للثنائي الشيعي على فرض مرشحه على المعارضة التي تقاطعت مع «التيار الوطني» على ترشيح الوزير السابق جهاد أزعور، في وجه منافسه مرشح محور الممانعة زعيم تيار «المردة» النائب السابق سليمان فرنجية.
وتضيف أن الموقف نفسه ينسحب على المعارضة المسيحية وحليفها «على القطعة» بالمفهوم الرئاسي للكلمة، «التيار الوطني الحر»، والتي لا قدرة لها على دعم المرشح الذي يشكل تحدياً للثنائي الشيعي في ضوء غياب الكتلة السنية الوازنة في البرلمان، وتقول إن حصر المنافسة، على الأقل حاضراً، بين فرنجية وأزعور، يعني حكماً أن التعادل السلبي بين الممانعة المتمسكة بترشيح فرنجية، وقوى المعارضة، يؤدي حتماً إلى تعطيل انتخاب الرئيس، مع أن الأخيرة مستعدة للدخول في تسوية بترجيح الخيار الرئاسي الثالث الذي يصطدم بإصرار الثنائي الشيعي على دعم فرنجية، إلا إذا أبدى الرئيس بري مرونة ليست مرئية حتى الساعة بخلط الأوراق في البرلمان؛ لذلك، يواجه لودريان مهمة صعبة، إلا إذا حمل معه مجموعة من الأفكار يمكن أن تستبدل التحفّظ وتأتي بموجة من التفاؤل، بخلاف زياراته السابقة التي غلبت عليها المراوحة، وتبادل الشروط بين الكتل النيابية الفاعلة.