كتب طوني جبران في “المركزية”:
على وقع سلسلة من الاجتماعات بوجهيها الديبلوماسي والمخابراتي، تنتظر بيروت وصول الموفد الرئاسي الفرنسي الوزير السابق جان إيف لودريان في الساعات المقبلة في مهمة لم يكشف عن مضمونها والهدف منها. وإن كانت بعض التسريبات قد أشارت إلى احتمال ان يطلق مبادرة جديدة تخفف من اجواء التشنج، فإن ذلك ليس مضمونا قبل فهم طبيعتها وما يمكن ان تؤدي اليه من خرق يسعى إليه منذ فترة طويلة من دون ان ينجح في اي خطوة نحو تحقيقها.
في هذه الاجواء كشفت مراجع ديبلوماسية وسياسية مطلعة، عبر “المركزية”، أن من الأفضل التريث لايام قليلة لفهم النتائج التي يمكن ان تؤدي إليها مهمة لودريان وما يمكن ان يحمله من جديد لم توفره التقارير الديبلوماسية التي وردت من العاصمة الفرنسية ومن عدد من عواصم المنطقة المعنية بالوضع المأزوم في غزة والجنوب اللبناني قبل مسلسل اللقاءات التي شهدتها باريس في عطلة نهاية الأسبوع وما انتهت إليه من تفاهم على استئناف المفاوضات حول الاسرى في قطاع غزة ومسألة وقف النار والترتيبات التي سترافق عملية التبادل.
وقالت هذه المراجع ان الساعات المقبلة ستكون كافية لاستكشاف الجديد الذي أسفرت عنه لقاءات باريس على الرغم من أنها لا تعني الاستحقاقات اللبنانية الامنية والسياسية والدستورية مباشرة بقدر ما كانت تستهدف الوضع في غزة بشكل خاص وفقا لمجموعة من الأفكار الجديدة التي حملها مدير المخابرات الاسرائيلية دايفيد برنياع الى اللقاء الذي جمعه بنظيره الاميركي مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي إيه) وليام بيرنز ومشاركة رئيس وزراء قطر محمد بن عبد الرحمن آل ثاني الذي خصص للبحث في الاقتراحات الجديدة التي حملها المسؤول الإسرائيلي الى نظيريه بشأن الترتيبات المقترحة لوقف النار وما يستلزم من إجراءات ترافق اي اتفاق لتبادل الاسرى لدى حماس ونظيرتها الفصائل الفلسطينية المعتقلين والموقوفين في السجون الاسرائيلية.
والى هذا الاجتماع الذي تم تتويجه في لقاء استضافه الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون في قصر الاليزيه أعلن في أعقابه عن تفاهم مبدئي على استئناف المفاوضات بين الجانبين الفلسطيني والاسرائيلي يوم الثلاثاء المقبل برعاية اميركية وقطرية وربما مصرية ان انضم فريق من المخابرات المصرية الى اللقاءات المقبلة، لم تتناول المعلومات المتوفرة حتى اليوم اي تفاصيل تتصل بالجديد الذي افضى الى تحريك المفاوضات من جديد.
وجمع الرئيس ماكرون وزراء خارجية الدول العربية الذين يشكلون فريق اللجنة التي شكلتها القمة العربية – الاسلامية المشتركة التي استضافتها الرياض والمكلفة بمتابعة الوضع في غزة توصلا الى وقف العمليات العسكرية وبذل الجهود المؤدية الى إعلان الدولة الفلسطينية على أراضي غزة والضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية والتي تضم كلا من رئيس الوزراء القطري وزير الخارجية محمد بن عبد الرحمن آل ثاني ووزراء خارجية السعودية فيصل بن فرحان ومصر سامح شكري والأردن أيمن الصفدي.
وأضافت المراجع ان اللجنة تسعى منذ تشكيلها الى ممارسة أقصى الضغوط الديبلوماسية من أجل تحقيق ما يسمى بـ “حل الدولتين” بعدما بدأ مسلسل الإعتراف بالدولة الفلسطينية من قبل بعض الدول الأوروبية وفي أميركا اللاتينية في أعقاب التصويت الذي شهدته الجمعية العامة للأمم المتحدة والتي أوصت بأكثرية ساحقة بضم فلسطين الى لائحة الدول المستقلة لدى الأمم المتحدة ولو بصفة مراقب في المرحلة الاولى قبل ان يعترف بها مجلس الأمن الدولي.
وايا كانت الانجازات التي تحققت على مستوى المقاربة الجديدة للوضع في غزة فإن ايا من المعلومات لم يتسرب ان كانت المناقشات قد تناولت الوضع في لبنان عشية إيفاد ماكرون موفده الشخصي لودريان الى بيروت وفي أعقاب مجموعة الإتصالات التي أجراها شخصيا بقادة السعودية ومصر واسرائيل والتي تناولت في جزء منها الازمة اللبنانية وما يمكن القيام به للفصل بين ما يجري في غزة ولبنان توصلا الى انتخاب الرئيس العتيد للجمهورية . علما انها جميعها ستكون مدار بحث معمق على طاولة القمة الأميركية – الفرنسية المقررة مبدئيا في السادس من حزيران المقبل في منطقة النورماندي شمال البلاد على هامش الاحتفالات السنوية الدورية بانتصار الحلفاء في الحرب العالمية الثانية .
على كل حال، ومهما كانت حصة لبنان من هذه الجهود الديبلوماسية، فإن الاشارة كافية الى ان يكون ملف لبنان على شكل ورقة رئيسية في ملف المنطقة ما دام التوصل الى وقف للنار في غزة يفتح الباب واسعا أمام مثيل له في الجنوب اللبناني وربما نجحت المساعي المبذولة لإمرار انتخاب الرئيس في هذه الاجواء قبل ان تدخل المنطقة والعالم في مدار الانتخابات الرئاسية الاميركية التي يمكن ان تجمد كل شيء، بدءا من الأول من آب المقبل، ولا ننسى ان أربعة من الأطراف المعنيين باللقاء يمثلهم سفراؤهم في بيروت في الخماسية الخاصة بلبنان ولو حضر الطرف الاميركي في اللقاء لكان النصاب الخاص بلبنان كاملا على اعلى المستويات.
ولا تراهن المراجع الديبلوماسية على اي خطوة استثنائية اضافية من زيارة لودريان سوى ان جاءت تزامنا مع التوصل الى اتفاق بشأن غزة يسهل التوغل للبحث في التفاصيل الخاصة بلبنان وهي تتناول ملف الانتخابات الرئاسية قبل البحث بصيغة تفاهم امنية بشأن الحدود وتطبيق القرار 1701 من دون ان يكون في لبنان رئيس للجمهورية أناط به الدستور موضوع الاتفاقيات والمعاهدات الدولية قبل طرحها للتفاهم عليها على المجلس النيابي والحكومة.