إن أحد الأعراض الأكثر شيوعًا لمرض كوفيد-19 الطويل الأمد هو الميل إلى ممارسة التمارين الرياضية الشاقة مما يؤدي إلى تفاقم الحالة.
ولا يقتصر تأثير فيروس كورونا الطويل على تقليل قدرة الشخص على ممارسة التمارين الرياضية فحسب، بل غالبًا ما تظهر الأعراض الأوسع نطاقًا في الأيام التالية لحصص التدريب، وقد أطلق الباحثون على هذه الظاهرة اسم “توعك ما بعد الجهد” PEM، وهي ظاهرة غريبة نسبيًا.
وبحسب ما نشره موقع New Atlas نقلًا عن دراستين نُشرت نتائجهما في دوريتي ERJ Open Research وNature Communications، تكون ممارسة التمارين الرياضية، في معظم حالات إعادة التأهيل، أمرًا مفيدًا، وعندما يعاني المريض من ممارسة التمارين الرياضية، عادة ما تكون هناك تفسيرات فسيولوجية واضحة، حيث يُحتمل ألا يعمل القلب أو الرئتان بشكل جيد، أو ربما أدت فترة طويلة من المرض إلى نوع من عدم التكييف الجسدي حيث يضعف الجسم بشكل عام.
ولكن لا توجد علامات واضحة في العديد من حالات كوفيد-19 طويلة الأمد، تفسر قيود ممارسة التمارين الرياضية، لقد تعرض العديد من المرضى لوابل من الاختبارات التقليدية ليُقال لهم إنهم بخير تمامًا، لكن العديد من الدراسات الجديدة بدأت في اكتشاف اللغز وراء فترة طويلة من الإصابة بفيروس كورونا.
وعلى الرغم من أن النتائج لا تشير على الفور إلى حلول، إلا أنها تؤكد أن حالات عدم تحمل التمارين الرياضية الطويلة المرتبطة بفيروس كورونا لها أسس فسيولوجية.
اختبار التمرين القلبي الرئوي
يُطلق على الاختبار الأكثر تقليدية للقدرة البدنية الوظيفية للمريض اسم اختبار التمرين القلبي الرئوي CPET. يتم وضع المريض على دراجة تمرين بينما يقوم الأطباء بمراقبة معدل ضربات القلب وتشبع الأكسجين وبيانات مخطط كهربية القلب.
بالنسبة للعديد من مرضى فيروس كورونا لفترة طويلة، تُرجع تحقيقات CPET نتائج طبيعية غير عادية. على الرغم من القيود الواضحة على ممارسة التمارين الرياضية مثل ضيق التنفس، فإن هؤلاء المرضى غالبًا ما يظهرون مستويات أكسجين طبيعية ووظيفة قلب صحية.
تمرين قلبي رئوي غازي
وأجرى فريق من الباحثين في جامعة ييل دراسة على مجموعة من مرضى فيروس كورونا لفترة طويلة اشتملت على تجربة CPET جديدة، تُعرف باسم iCPET أو اختبار تمرين القلب الرئوي الغازي، والذي يعد أكثر تعقيدًا من اختبار CPET العادي. فإلى جانب إجراءات CPET المنتظمة، يتم إدخال قسطرتين مستشعرتين للضغط في الشرايين للمرضى الذين يخضعون لهذا الاختبار، مما يسمح بإلقاء نظرة إضافية على تأثير التمرين على العضلات والأوعية الدموية.
استخراج الأكسجين الجهازي
وكانت النتائج مذهلة، ولم تكشف عن أي مشاكل ملحوظة في الطريقة التي يعمل بها القلب أو الرئتان، ولكنها كشفت عن تشوهات واضحة في الطريقة التي تتناول بها أنسجة الجسم الأكسجين. تم تصنيف الخلل الوظيفي على أنه ضعف في استخراج الأكسجين الجهازي pEO2.
وأوضح بيتر خان، الباحث الرئيسي في الدراسة، أنه تم اكتشاف “أنه على الرغم من حقيقة أن القلب كان يضخ الدم المؤكسج الذي توفره الرئتان بكميات كافية من الأكسجين، فإن استخلاص الأكسجين من أنسجة الجسم قد تعرض للخطر لدى المرضى الذين ظهرت عليهم أعراض عدم تحمل التمارين الرياضية بعد كوفيد”. ولكن لم يمكن افتراض سبب أو كيفية حدوث ذلك بالضبط، حيث أشار الباحثون إلى عدة تفسيرات محتملة لهذه الظاهرة غير العادية.
ويتكهن الباحثون في الدراسة بأن “ضعف pEO2 يمكن أن يعزى إلى فشل أسرة الأوعية الدموية غير التمرينية في تضيق الأوعية أو تدفق الدم العضلي المباشر بشكل مناسب، أو عدم كفاية انتشار الشعيرات الدموية إلى الميتوكوندريا”.
أدلة مثيرة للاهتمام
وتقدم دراسة، نُشرت مؤخرًا في دورية Nature Communications، أجراها فريق من العلماء في جامعة أمستردام، أدلة مثيرة للاهتمام حول ما قد يحدث. ويبدو أن الإجابة لها علاقة بالميتوكوندريا، وهي محطات توليد الطاقة الصغيرة التي تنشط الخلايا الفردية.
ضمت تجربة جامعة أمستردام الفريدة للغاية مجموعة من مرضى فيروس كورونا لفترة طويلة ومجموعة مراقبة صحية. أكمل المشاركون في الدراسة اختبارًا شاقًا لركوب الدراجات، لتزويدهم بعينات من الدم والأنسجة العضلية قبل أسبوع واحد من الاختبار وبعد يوم واحد.
تشوهات في الأنسجة العضلية
وقال روب ويست، الباحث المشارك في الدراسة، إنه تم اكتشاف ضعف التمثيل الغذائي وعلامات تلف كبير في العضلات لدى مرضى كوفيد لفترة طويلة بعد ممارسة التمارين الرياضية المضنية. ولعل الأهم من ذلك هو أن النتائج كشفت أن التمارين الرياضية المضنية تسببت بالفعل في خلل في الميتوكوندريا في خلايا العضلات، وهذا قد يفسر سبب شعور مرضى “كوفيد” لفترة طويلة بالسوء في اليوم التالي للمجهود البدني.
يوضح فوست: “لقد رأينا تشوهات مختلفة في الأنسجة العضلية للمرضى. وعلى المستوى الخلوي، رأينا أن الميتوكوندريا في العضلات، والمعروفة أيضًا باسم مصانع الطاقة في الخلية، تعمل بشكل أقل جودة وتنتج كميات طاقة أقل من الخلايا”.
تم الافتراض سابقًا أن خلل الميتوكوندريا هو تفسير محتمل لبعض أعراض فيروس كورونا الطويلة، ولكن مازال هناك لغز حول كيفية تسبب عدوى سارس-كوف-2 بالضبط في حدوث الخلل بالميتوكوندريا. أشار فوست إلى أنه على الرغم من أن ممارسة التمارين الرياضية يعتبر دائمًا مفيدًا لوظيفة الميتوكوندريا، إلا أن القاعدة لا تنطبق على مرضى [كوفيد طويل الأمد]. ومن الواضح أن تلف العضلات وما ينتج عن ذلك من تسلل الخلايا المناعية يمكن أن يقلل من وظيفة الميتوكوندريا أيضًا.
مجهود بدني خفيف
ويقول برنت أبلمان، الباحث المشارك في دراسة أمستردام، إن مرضى كوفيد طويل الأمد يجب أن يكونوا حذرين حتى لا يقوموا بمجهود بدني أبعد من حدودهم. لقد أصبح من الواضح الآن بشكل متزايد أن المجهود المفرط ضار، وأصبح السبب مفهومًا بشكل مبدئي.
يقول أبلمان إنه “بشكل ملموس، يمكن نصح هؤلاء المرضى [المتعافين من كوفيد طويل الأمد] بالحفاظ على حدودهم البدنية وعدم تجاوزها، إذ يمكنهم القيام بمجهود خفيف لا يؤدي إلى تفاقم الشكاوى”، مشيرًا إلى أن “المشي أمر جيد أو ركوب الدراجة الكهربائية لتحسين الحالة الصحية والحفاظ على بعض اللياقة البدنية، ويجب أن يضع كل شخص في اعتباره أن ما يناسب الغير ربما يكون مرهقًا بالنسبة له “.