كتبت غادة السمان في القدس العربي
اقتحام «مجمع الشفاء»، بحثاً عن المقاتلين من أبناء غزة، يدل على مدى الذعر الإسرائيلي من أبناء الوطن الذي لم يشبعوا من سرقته..
المرضى في المستشفى بحالة اختناق ودهشة في آن..
قطعوا عنهم الكهرباء وبالتالي الأوكسجين للتنفس.. فعلوا كل ما في وسعهم للقبض على المقاتلين من أبناء غزة. صار الشك يكاد يقتلهم خوفاً.. أين يختبئ المقاتلون أبناء غزة الذين يدافعون عن بيوتهم ولقمة أطفالهم وأدوية عجائزهم؟ أين؟ الذي يخاف من مقاتل غزاوي يرى شبحه في كل مكان.. حتى في «مجمع الشفاء»..
السارق يخشى ضحيته
تبحث إسرائيل عن الذرائع كلها لسرقة غزة بعدما سرقت أرض فلسطين، وتريد أن تقوم بتهجير أهل غزة كما سبق أن فعلت بما (تيسر) لها من الفلسطينيين.. والسارق يلاحقه دائماً شبح المسروق.. ويفقد رشده.. ويبحث عنه حتى في مستشفى.. واسم المستشفى هذه المرة «الشفاء»؛ وهو اسم مناسب للذين يتوهمون إمكانية عقد الصلح مع إسرائيل أو صلح ما تحت اسم آخر مثل «التطبيع» مثلاً.. إسرائيل مذعورة من ضحاياها.. وتصلح لكتابة رواية عنها من روايات الذعر وليس لكتابة التاريخ..
الإسرائيلي المذعور
صاروا يرون المقاتلين أبناء غزة في كل مكان.. إنه السارق الذي يبحث عن المسروق ليعاقبه لأنه ما زال حياً وله ذاكرة..
اقتحموا مجمع «الشفاء» وهم يزعمون أن المقاتلين من أبناء غزة يختبئون فيها.. وأن لها أنفاقاً يتحركون فيها.. ومخازن للأسلحة.. فلم يجدوا لا الأنفاق ولا الأسلحة ولا المقاومين.. بل وجدوا مرضى هم على وشك قتلهم لأنهم حرموهم من الكهرباء والماء والطعام والأدوية. أضحى شبح ابن غزة هاجسهم.. يخافونه ولديهم ذرائع لقتله..
وقتلوا الكثيرين معظمهم من الأطفال، وخسروا القليل من الدعم الذي كانوا يحظون به..
رئيس جمهورية فرنسا
سمعت الخبر ذاته وأنا أستمع إلى موجز لأهم الأنباء قبل أن أنام..
فاستيقظت وأدركت أنني لن أنام قبل أيام حتى يغتالني التعب. سمعت رئيس فرنسا السيد إيمانويل ماكرون يبدي استياءه من اقتحام المستشفى.. وأدركت أن الموقف العالمي من إسرائيل سيصاب بالكثير من التبدل.. وأخط هذه الكلمات ولم ينقص يوم على مهاجمة الإسرائيليين للمستشفى.. ولم يجدوا فيه غير المرضى الذين يتسببون بموت الكثير منهم لكنهم وجدوا أشباح خوفهم.. فالقاتل يرى دائماً شبح ضحيته وقد تكاثرت أشباحهم، فهل كان «بلفور» يدرك حين وعد الإسرائيليين بفلسطين العربية أي خطأ يقترف؟ وكان الشهيد غسان كنفاني يردد باستمرار أن بلفور «أعطى ما لا يملك لمن لا يستحق».. واغتالته إسرائيل ولو وجدته يتعالج في مستشفى «الشفاء» لقتلته مرة ثانية!
اقتحام المستشفى حماقة
أخط هذه السطور وأنا أشتعل غضباً.. قديماً قيل: «لكل داء دواء يُستطب به/ إلا الحماقة أعيت من يداويها». واقتحام مستشفى «الشفاء» عمل إجرامي وأحمق أيضاً.. فهل يعالج المحتل نفسه من حماقته حين يفكر بتهجير أهل غزة؟ ومن الذي عليه أن يهاجر؟ الصاحب الشرعي للأرض أم المحتل؟ وإلى أين سيذهب المحتل الإسرائيلي الآن للبحث عن المقاتل الذي عليه اغتياله ليستتب له الأمر؟ إسرائيل في أرض تكرهها كما يكره صاحب الأرض السارق.. وإن الأمر لن يستتب لها يوماً.. وإن مدينة القدس عربية، ومحتلة، لكنها ستظل عربية.
صديق حاولت إسرائيل اغتياله حين كان في بيروت، واستطاع النجاة من الطرد الملغوم الذي أرسلوه له، وكان صديقاً لغسان كنفاني الذي نجحت إسرائيل في اغتياله.. وها هو اليوم يبعث لي بعنوانه وهو «القدس/ فلسطين المحتلة»، فهل تتوهم إسرائيل بأنها ستنجح في ضم غزة بعد قتل المرضى في مجمع «الشفاء» فيها، ومتى يتم «الشفاء» من الاحتلال الإسرائيلي؟ واسألوا «بلفور» إلى أين سيقترح هذه المرة ذهابهم..!
كذبة هشة
لم يكن في مستشفى الشفاء في غزة غير المرضى (والأشباح الذين طاردتهم إسرائيل!!) وكان لا بد من اختراع كذبة لتبرر بها إسرائيل اقتحامها للمستشفى، فادعت أنها وجدت فيه مخزن أسلحة، وقدمت للصحافة صورة كيس فيه رشاشات. ولكن الصورة يمكن أن تكون قد التقطت في أي مكان وأمام أي جدار.. وازدادت كذبة إسرائيل عن وجود مقاتلين في «مستشفى الشفاء» هشاشة.. ولعل ما حدث يشفي إسرائيل من أكاذيبها الهشة.