عماد الشدياق نقلاً عن “عربي21”
قبل أيام، وبينما كان الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي يخاطب ضباط الجيش الأمريكي في جامعة الدفاع الوطني في واشنطن، ويدعو الإدارة الأمريكية إلى زيادة المساعدات من أجل الحفاظ على الديمقراطية والحريات في الغرب، كان الرئيس الأمريكي جو بايدن يصرخ تزامنا، وفي مكان آخر يبعد 5 كيلومترات في العاصمة نفسها: “أنا صهيوني”.
قالها الرئيس الأمريكي، في الملأ وفي العلن، خلال حفل “إضاءة الشمعدان” التقليدي في البيت الأبيض، بمناسبة عيد “حانوكا” المعروف عربيا باسم “عيد الأنوار” اليهودي، معترفا بأنّه قبل سنوات قد زجّ نفسه في مشاكل وانتقادات عندما قال: “ليس عليك أن تكون يهوديا لتكون صهيونيا”.. لكنّه عاد وأكد السير بالخطأ نفسه، بل أصر عليه من خلال القول اليوم مجددا: “أنا صهيوني”.
بايدن أكد مواصلة إدارته مساعدة إسرائيل “حتى تتخلص من حركة حماس”، معتبرا أنّ التزامه بسلامة الشعب اليهودي وأمن إسرائيل وحقها في الوجود، كدولة يهودية مستقلة “لا يتزعزع”.
ثم لاحقا، ألمح بايدن إلى رغبة بلاده في جعل أوكرانيا تدخل في “محادثات سلام” مع روسيا، معتبرا أنّ واشنطن “وصلت إلى نهاية قدرتها على مساعدة أوكرانيا”.
ويبدو أنّ هذا الخطاب المستجدّ بعد عملية “طوفان الأقصى” في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، لم يدفع زيلينسكي إلى إعادة النظر بخطابه أو تحديثه، ولهذا يشعر المراقب لتحركات الرئيس الأوكراني وسلوكه في طلب المساعدات المتواصل، أنه يأتي مؤخرا من خارج سياق الأحداث الدائرة حول العالم، خصوصا بعد أن حمل بايدن أقوى دولة في العالم على الاصطفاف خلف إسرائيل بشكل أعمى، فأفقدها أكثر وأكثر دورَ الوسيط النزيه.
لم يدرك زيلينسكي الذي ناشد واشنطن مواصلة دعم كييف عسكريا وحذّر من أن وقف هذا الدعم سيدمر الديمقراطية في أوروبا، أنّ إدارة بايدن نفسها هشّمت مفاهيمَ ديمقراطية كثيرة، يوم أعلنت أنّها إلى جانب إسرائيل في ارتكاب الجرائم وقصف المستشفيات وتدمير المنازل فوق ساكنيها في قطاع غزة، ويوم غضّت الطرف عن استهداف الصحافيين.
بل أكثر من ذلك، فإنّ سلوك واشنطن خلال الحرب أمسى يهدّد الحريات في الولايات المتحدة نفسها، وقد بدا هذا الأمر جليا في طريقة التعامل مع النخب الأمريكية المعارضة لهمجية إسرائيل، وهو أمر لم تشهده أمريكا من قبل.
إذ يكفي التذكير بما واجهته مديرة جامعة “هارفارد” كلودين جاي قبل أسابيع، وذلك يوم عبّرت عن رأيها بالقول إنّ التظاهرات التي يقوم بها بعض طلاب الجامعة احتجاجا على جرائم إسرائيل هي “حرية تعبير”، فتم وصمها بمعاداة السامية وأحيلت إلى الاستجواب في الكونغرس، ومورست عليها الضغوط من أجل الاستقالة، ناهيك عن اتهامها بالسرقة الأدبية في أربع أوراق بحثية.. ولولا حكمة مجلس أمناء الجامعة لما بقيت كلودين جاي في منصبها في أعرق جامعات الولايات المتحدة وأكثرها حديثا عن الحريات وحقوق الإنسان!
يعرف زيلينسكي أنّ واشنطن باتت في مكان آخر بخلاف صراع بلاده ضد روسيا، ويعرف أيضا أنّ واشنطن تتهيأ من أجل الدخول باكرا في حملة سباق رئاسيّ تبدو صعبة على الإدارة الديمقراطية، التي بدأت قاعدتها الشعبية تتزعزع منذ الدعم الأعمى لبلاده قبل نحو سنتين، ثم ازدادت مداميك تلك الإدارة زعزعة نتيجة دعمها الأعمى لإسرائيل ضد فلسطينيي قطاع غزة.
وربّما لهذا السبب عادت أصوات ترتفع داخل الولايات المتحدة لتطالب كييف بالتركيز على الاحتفاظ بالأراضي الأوكرانية الحالية، والبدء بـ”مفاوضات السلام” مع روسيا بحلول نهاية عام 2024 (بحسب صحيفة نيويورك تايمز نقلا عن مسؤولين أمريكيين).. وهي الأفكار نفسها التي بدأت تتسلل أيضا إلى القارة الأوروبية، حيث لم يتمكن الاتحاد الأوروبي من الاتفاق على ميزانية تتضمن تمويلا طويل الأجل لأوكرانيا.
وعليه، يبدو أنّ أوكرانيا ستقع في الأشهر القليلة المقبلة ضحية المصالح الدولية، وكذلك ضحية الأولويات الأمريكية، وربّما تذعن للنقص في المساعدات الغربية، فتكتفي بإعلان انتصارها في “معركة” قبول طلب انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي مؤخرا، على الرغم من الواقع المرير الذي يكشف بدوره أنّ هذه الدعوة وهذا القبول، تعتريهما صعوبات جمّة، نظرا إلى تلكؤ بعض الدول مثل المجر والنمسا وسلوفاكيا وعدم حماستها لدفع تلك المفاوضات قدما.