نبيل الجبيلي نقلاً عن “الجزيرة”
فجّر الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (ناتو) ينس ستولتنبرغ، قبل أيام، مفاجأة كبيرة، بقوله في واحدة من المقابلات إن الحلف عليه أن يكون مستعدا لتلقي الأخبار السيئة المقبلة من أوكرانيا، ملمحا بذلك إلى احتمال إنهيار الجيش الأوكراني في وقت قريب، وذلك نتيجة تراجع المساعدات المالية والعسكرية الغربية، وخصوصا تلك الأميركية.
وتظهر البيانات العسكرية المنشورة في أكثر من موقع أميركي متخصّص، أن المساعدات الأميركية المقدمة إلى كييف، بدأت بالتراجع منذ شهر آب/ أغسطس إلى اليوم، هابطة إلى ما دون 1 مليار دولار، ومسجلة في الوقت نفسه رقما قياسيا منخفضا وصل إلى قرابة 0.35 مليار دولار فقط خلال شهر تشرين الاول/ أكتوبر، وهو الشهر نفسه الذي اندلعت فيه الحرب بين إسرائيل وحركة “حماس” في قطاع غزة، مما اضطر واشنطن إلى إنشاء جسر جوي عسكري لتسليح الجيش الإسرائيلي، تاركة خلفها أوكرانيا ورئيسها فلاديمير زيلينسكي بلا أي عون.
وقبل أيام، اضطر زيلينسكي إلى الاعتراف بأن الحرب في بلاده “تمرّ بمرحلة جديدة”، خصوصا مع دخول فصل الشتاء الذي سيعقد القتال بشكل أكبر، مُقِرا في الوقت عينه بأن الهجوم المضاد خلال فصل الصيف قد فشل في تحقيق النتائج المرجوة، بسبب نقص الأسلحة والقوات البرية.
وعندما سُئل زيلينسكي عمّا إذا كان راضيا عن نتائج الهجوم، قال إنه كان يخشى من الحرب بين إسرائيل و”حماس” بأن تلقي بظلالها على الصراع في أوكرانيا، فتهدد بتراجع تدفق المساعدات العسكرية الغربية إلى كييف، ويبدو أن هذا الذي حصل بالفعل.
أما الأمين العام لحلف “الناتو” فأكد خلال مقابلة مع قناة “إيه آر دي” التلفزيونية الألمانية، على ضرورة تعزيز إنتاج الذخيرة في الدول الغربية، معترفا بأن دول الحلف “لم تتمكن من تلبية الطلب المتزايد عليها”، كاشفا كذلك أن كييف باتت الآن في “وضع حرج”، وأن الحروب بطبيعتها “لا يمكن التنبؤ بها”، في إشارة إلى احتمال خسارتها الحرب في مواجهة روسيا.
وحول مصير أوكرانيا بعد ذلك، قال أمين عام الحلف: “سأترك الأمر للأوكرانيين والقادة العسكريين لاتخاذ القرارات العملياتية الصعبة”، من دون أن يوضح ما يمكن أن تكون طبيعة تلك القرارات.
وتعود بنا تلك التصريحات والأحداث الدراماتيكية إلى حديث زعيم كتلة حزب “خادم الشعب” الأوكراني الحاكم، ديفيد أراخاميا، الذي أكد قبل أيام أيضا في تصريح صحافي، أن هدف روسيا من الحرب كان “الضغط علينا حتى نلتزم الحياد”، كاشفا أن موسكو “كانت مستعدة لإنهاء الحرب لو قبلنا بالحياد مثلما فعلت فنلندا ذات يوم، وتعهدنا بعدم الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي”.
وعندما سُئل أراخاميا عن سبب عدم موافقة أوكرانيا على ذلك، اعتبر أنّ ذلك يعود إلى سببين:
صعوبة الموافقة على ذلك من دون تعديل دستوري. إصرار الغرب، وخصوصا رئيس الحكومة البريطاني بوريس جونسون، على الاستمرار بالحرب.
أراخاميا أشار إلى أن الموافقة على الحياد والتخلي عن عضوية حلف “الناتو”، كانتا تتطلبان تغييرا دستوريا في أوكرانيا وموافقة مجلس النواب الأوكراني، لكنه كشف في المقابل، أن رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون حضر في حينه إلى كييف، واكد أن “لا حاجة لتوقيع أي اتفاق مع الاتحاد الروسي… دعونا نقاتل فقط”.
كما أكد أراخاميا، وهو كبير المفاوضين في محادثات السلام التي جرت العام الماضي في إسطنبول بين وفدي موسكو وكييف، أن روسيا “عرضت على كييف اتفاق سلام في آذار (مارس) 2022، لكن الجانب الأوكراني لم يصدق ذلك”.
أما اليوم، فإن الوضع العسكري في أوكرانيا بات أكثر مأساوية، ولو وافقت أوكرانيا على ما عرضته موسكو عليها في حينه، لكان حالها أفضل مما هي عليه اليوم، ناهيك عن الغضب الذي ينتاب الأوكرانيين اليوم نتيجة تعثر هجوم جيشهم المضاد وخسائره البشرية، وتبعات ذلك على البلاد من فوضى وغرق في الفساد.
اعترف أحد مستشاري الرئاسة الأوكرانية ميخائيل بودولياك، باستياء وغضب الشعب الأوكراني بسبب إخفاقات القوات الأوكرانية على خط المواجهة، وكذلك نتيجة الفساد المتفشي لدى الطبقة الحاكمة في كييف.
وقال بودولياك في تصريح صحافي الأسبوع الفائت، إن المجتمع الأوكراني منزعج ومستاء وتراكمت لديه الكثير من الأسئلة الصعبة حول الفساد، والتصريحات المثيرة للجدل والسلوكيات وخصوصا نتيجة “عدم وجود اختراق على طول خط المواجهة”، واصفا وضع المجتمع الأوكراني حاليا بـ “المكتئب نتيجة عامين من الحرب والركود وجمود الحياة السياسية والعديد من الطموحات التي لم تتحقق”.
وبخلاف الإخفاقات العسكرية، يهدد الفساد في أوكرانيا بتقويض ثقة القادة الغربين بنظام كييف، مما سيؤدي في نهاية المطاف إلى وقف المساعدات الغربية إلى أوكرانيا بشكل كلي، خصوصا مع اقتراب الانتخابات الرئاسية الأميركية التي ستبدأ حملاتها مطلع العام المقبل (بعد نحو شهر)، والتي قد تكون بداية لنهاية الدعم المقدم إلى كييف، إذ ستجد القارة الأوروبية نفسها وحيدة في مجال مساعدة كييف.
وتلك، ربما تكون نهاية قصة حزينة، كان يمكن أن تكون نتائجها أفضل على الشعب الأوكراني، فيما لو استمع الرئيس زيلينسكي إلى عقل المنطق واستوعب قدرات بلاده الذاتية من دون أن ينجر خلف الطموحات الغربية ومساعداتها “غب الطلب”. لو فعل ذلك لكان أعفى بلاده من الدمار والخراب، كُرمى لعيون عضوية في حلف (الناتو) لا يبدو أنها ستبصر النور لا اليوم، ولا حتى في المستقبل.