كتب يقظان التقي في عروبة 22…
الهجانة، هي التمازج بين مكوّنين متباينين في السياق والمكوّنات ضمن بيئة مجتمعية واحدة، تمازجًا يؤدي إلى مكوّن جديد يباين كلًّا منهما، واشتقت “الهجانة” في المعنى اللغوي من “هجن” وتعني قبح وعاب، واستخدمت منذ عام 1601 بالانكليزية بمعنى “غير الطبيعي”، وقصد بها طوال القرن السابع عشر الميراث العرقي المختلط بين كيانيين من مصادر غير متجانسة، دولًا ومقاطعات، الإنتظامات/الأوامر السياسية.
يطرح الباحث مسألة تشكّل الأحزاب السياسية العربية في البنى المجتمعية الهجينة، باعتبار هذا التشكّل مغايرًا للأنموذج المنتج في البلدان الأوروبية، وذات نمط الإنتاج الزراعي والدولة ما قبل الحديثة والمعرفة التقليدية.
إشكالية البحث تعارض تشكّل الأحزاب السياسية الحديثة في البنى المجتمعية مع تشكّلها في بلدان أوروبا الغربية وأميركا اللاتينية، وفرضيّة اختلاف محددات تكوينها في المجال العربي من بنى معقدّة بعد النصف الثاني من القرن التاسع عشر، باختلاف التشكّلات الدولتية بينهما بعد الحرب العالمية الثانية.
ينطلق الكتاب من التمييز بين الحزبية كمؤسسة مرتبطة بالانقسام في المجتمع/الدولة، والتمييز بين الثابت والمتحوّل في كل حزبية سياسية، وأشكالها المتحققة في بناها المجتمعية وفي المراحل التاريخية لتطوّرها، ومن ثم في الوعي لوجودها. الخلاصة إستحالة بناء الحزب في المجال العربي على الشاكلة الأوروبية الحديثة، واقتراح أنموذج الحزب العربي الممكن.
تستدعي المراجعة تفكيك هذا النموذج ومعطوبيّته ومعاينة الملموس المجتمعي لإنتاج نموذج جديد للحزب السياسي، ويكون المدخل لذلك الخروج من حالة التقهقر والتهكّم وبناء دولة القانون في إنتاج السلطة وممارستها. فمنطق دولة القانون وثقافتها يتيحان بناء التنظيم الحديث ويعزّزان التنوّع، وهما المدخل للتنمية والتنوّع والديمقراطية والى الوحدة، عربية كانت أو إسلامية. في حين غياب ذلك، يحيل الدعوة إليها خطابًا أيديولوجيًا أو إكراهًا، وكلاهما لا يجدي في مواجهة الإمبريالية، وبخاصة في ظل الشركات العابرة للدول والعاملة لإضعاف الدول، ولا سيما في الأطراف.
لا جدال بربط بناء الدولة الحديثة بصعود الرأسماليات الغربية، وبتعثّر نمائها في المجال العربي، ما يعني تعثّر اشتغال الأحزاب العربية على تغيير البنية والفرد والنخب والدول معًا. ولا جدال في قيام دولة القانون كما تبيّن في جهود السلطة العثمانية منذ النصف الأول منذ القرن التاسع عشر لتحويل السلطنة إلى دولة حديثة، كما تبيّن أنّ الدول التي احتلّت بعض البلدان العربية حاولت فرض قوانينها فيها. لكن شائبتين أصابتا المحاولتين: الجبرية فيهما والرتابة وعدم تجديد المجال، وفي كلتيهما لم يكن المجال العربي هو الإطار، وأجهض القانون في مرحلة ما بعد الاستقلالات، وشابه بعدها، عند من حافظ عليه، الانتماءات الأولية بالتكوين (الطائفية في لبنان مثلًا)، والتحوّط من العسكر (المغرب وتونس).
تعتقد الآن الغالبية من الشباب العربي أنّ الديمقراطية لن تنجح في الشرق الأوسط، وأنّ الاستقرار أهم منها، لكن لا يبدو هذا الشباب مستعدًا لترك الحكومات تقرّر مصيره، وهو يأتي إلى زمن جديد. فيما الأحزاب السياسية صامتة غالبًا عن نفسها، من دون أي استعداد للنقد الذاتي أو المراجعة.
إنه موقف مذهل من الفشل في التفاعل المطلوب بين مختلف الاختيارات السياسية والثقافية والفكرية، والرضى عن الذات في آن. هنا يمكن أن نميّز بين من يدعو إلى الانقسامية والقطيعة، وبين من يرى في التنوّع جسورًا تصل بينه وبين كل الأفكار الأخرى والرؤى والتعبير عن المكوّنات المتعلقة بالوجود والاستقرار السياسي والاجتماعي والمصير. ثمة حاجة إلى قراءة جديدة للأحزاب العربية السياسية ولتفكيك المقولات والطروحات وإعادة تركيبها في ظل ما بعد الحداثة. ليس هناك أحزاب أبدية وما هو صالح لكل الأزمنة والأمكنة. هذه النسبية بالذات، هي الهامش لرفض المقولات التوتاليتارية، وللتفاعل بالجماعة ومشاكلها ومعاناتها وأسئلتها والتزاماتها ومستوياتها.
إنّ الرد على فساد الطبقة السياسية المستجدة والقديمة لن يكون ممكنًا، إلا عبر تجديد الأدوات الحزبية والوسائط وأساليب العمل. عندها يكون من الممكن تعبئة الناس حول الأهداف والمستجدات والتواصل مع أسباب التقدّم والنجاحات و”الطوفانات”، وإلى الأقصى في الدفاع عن مقومات الدولة الديمقراطية العربية الحديثة، وتقدّم الجماعات وحرية أفرادها ورفاهيتهم وبناء دولتهم القومية الحديثة.