كتب عوني الكعكي:
مساء يوم الجمعة الفائت… ودّعت النور نسخة مسودّة مشروع القرار التي قدمتها الإمارات العربية المتحدة الى «وقف فوري لإطلاق النار في غزّة لأسباب إنسانية»، وكذلك «الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع الرهائن»، و»ضمان وصول المساعدات الانسانية»، وانضمت ما لا يقل عن 97 دولة أخرى الى هذا الجهد، وشاركت في رعاية مشروع القرار الذي صاغته الامارات. فصوّتت في مجلس الأمن 13 دولة من 15 لصالح مشروع القرار، واستخدمت الولايات المتحدة حق النقض (الڤيتو)، وامتنعت بريطانيا (المملكة المتحدة) عن التصويت.
والولايات المتحدة وهي واحدة من الدول الخمس الدائمة العضوية في المجلس التي تتمتع بحق النقض… هذه الدول هي: إضافة الى الولايات المتحدة، فرنسا، روسيا، بريطانيا والصين. أقول إنّ أميركا قاومت مراراً وتكراراً الدعوات الى تطبيق وقف إطلاق النار بين الفلسطينيين وإسرائيل، مؤكدة على «حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها»، في أعقاب الهجوم المباغت الذي شنته «حماس» في ٧ تشرين الأول (أكتوبر).
وجاء تصويت مجلس الأمن يوم الجمعة الفائت بعد لجوء نادر للأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش الى المادة 99 من ميثاق الأمم المتحدة، والتي سمحت له بالدعوة الى اجتماع لمجلس الأمن بشأن «قضيّة قد تؤدي الى تفاقم التهديدات القائمة لصون السلام والأمن الدوليين».. ولم يتم استخدام هذا الإجراء منذ عام 1989.
وهنا، وبعد فشل وقف إطلاق النار وتعطيله بڤيتو أميركي، لا بد من التوضيح بأنّ حق النقض والمعروف بحق الڤيتو، هو حق الاعتراض على أي قرار يقدّم لمجلس الأمن من دون إبداء أسباب، وهو يمنح للأعضاء الخمس دائمي العضوية في مجلس الأمن كما ذكرت سابقاً.
ولم يَرِد لفظ «نقض» في ميثاق الأمم المتحدة، بل ورد لفظ «حق الاعتراض» وهو في واقع الأمر «حق إجهاض وإفشال للقرار وليس مجرّد اعتراض…» إذ يكفي اعتراض أي من الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن، لِيُرْفَض القرار ولا يُمرّر نهائياً حتى وإن كان مقبولاً للدول الأربع عشرة الأخرى… ويبدو أنّ هذا النظام في التصويت اعتُمِد في مجلس الأمن لتشجيع بعض الدول على تعطيل أي قرار لا يتفق مع مصالحها ومصالح حلفائها.
لقد ساعد حق النفض «الڤيتو» الولايات المتحدة -مثلاً- على تقديم أفضل دعم سياسي للكيان الاسرائيلي الغاصب، وذلك بإفشال صدور أي قرار يُدين إسرائيل باستخدام القوة المفرطة، خصوصاً في حرب لبنان 2006 والحرب على قطاع غزّة في نهاية عام 2008، ما أدّى الى الشك بصدقية الولايات المتحدة بسبب الڤيتو الاميركي.
وللحديث عن قضية «الڤيتو» في مجلس الأمن أقول:
أولاً: إنّ هذا النظام يتعارض عموماً مع القواعد الأساسية التي تشترطها النظم الديموقراطية.
ثانياً: إنّ الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن والتي يحق لها استعمال حق «الڤيتو» لم تُنْتخب لعضوية مجلس الأمن بصورة ديموقراطية أيضاً.
ثالثاً: إنّ القرارات التي تصدر عن مجلس الأمن لا تتبع طريقة سليمة في التصويت إذ هي لا يُصوّت عليها بالأغلبية، وهذا غير جائز.
وقد ظهرت في السنوات العشر الأخيرة أصوات تطالب بتعديل نظام الأمم المتحدة، لأنه نظام جائر وظالم أو فلنقل غير عادل أبداً. كما جرت محاولات أخرى لإدخال دول أخرى بشكل دائم الى المجلس مقترحة أسماء بعض الدول المؤثرة عالمياً كاليابان وألمانيا والبرازيل.
وأعود الآن الى استخدام أميركا «الڤيتو» لمنع وقف إطلاق النار في غزّة، فأقول: إنّ هناك دوافع حقيقية دفعت الولايات المتحدة لاستخدام «الڤيتو» لمنع وقف إطلاق النار.. هذه الأسباب هي:
أولاً: هزيمة إسرائيل وعدم تحقيق هدفٍ بارز حتى الآن لتبرير عنف بنيامين نتانياهو… وهذا ما أشارت إليه صحيفة «يديعوت أحرونوت» الاسرائيلية عن ضخامة الهزيمة التي حلّت بالجيش الاسرائيلي وقيادته بعد أكثر من شهرين من المجازر وحرب الإبادة والتطهير العرقي التي مارسها ضد الأطفال والمدنيين العُزّل في غزة.
ثانياً: تدرك الولايات المتحدة بزعامة جو بايدن، وهي الداعمة سياسياً وعسكرياً وتسليحياً للكيان الاسرائيلي، حجم هذه الهزيمة التي تشكّل هزيمة مباشرة لها أيضاً… وهي تنوي بمنع وقف إطلاق النار منح شريكتها إسرائيل والجزارين الصهاينة أربعة أسابيع لمواصلة القتل والتدمير، على أمل هزيمة حركات المقاومة بزعامة «حماس».
ثالثاً: إنّ العدوان الاميركي – الاسرائيلي على قطاع غزة فشل في تحقيق أي من أهدافه.. فهو لم يحرّر الأسرى الاسرائيليين، ولم يقضِ على حركة حماس وفصائل المقاومة الأخرى. وكل ما يدعيه هو وتدعيه أميركا أكاذيب.
من هنا أقول: إنّ موضوع الڤيتو يبقى موضوعاً إشكالياً في ممارسة الدول الكبرى… وبالرغم من أنّ الدول الكبرى تتمتع بهذا الحق، فإنه يجب أن تبقى معايير الانسانية أكبر وأعمق من القدرة العملية والقانونية في اطار استخدامها للڤيتو، ويجب الأخذ في الاعتبار ان ميثاق الأمم المتحدة لا يتضمن أي إشارة للڤيتو، بل ان ممارسة الڤيتو أتت انطلاقاً من تفسير وتطبيق عملي للمادة 27 فقرة 3 من ميثاق الأمم المتحدة والتي تشير الى ما يلي:
«تصدر قرارات مجلس الأمن بموافقة تسعة أصوات من أعضائه يكون من بينها أصوات الأعضاء الدائمين متفقة».
إنّ استعمال الڤيتو يخرق أبرز المبادئ التي قام عليها ميثاق الأمم المتحدة وهو مبدأ المساواة».
وأختم لأقول إنّ نظام الڤيتو المتبع حالياً يجب إلغاؤه أو تعديله لأنه كرّس مقولة عجز مجلس الأمن عن القيام بمهامه في تحقيق الأمن ووقف العنف، ولنا في قضية غزة الحالية نموذج فاضح.
وهذا الڤيتو هو الذي يشجع إسرائيل على ارتكاب جرائمها، لأنه لو كانت هناك محاسبة لكانت إسرائيل تتصرف بشكل آخر.
أخيراً، ما دام نظام الڤيتو منحازاً وغير عادل فالسؤال الكبير: لماذا هذا التنظيم الدولي الذي اسمه الجمعية العامة.. ومجلس الأمن، ولماذا لا يُلغى؟
اشترك في نشرتنا الإلكترونية مجاناً
اشترك في نشرتنا الإلكترونية مجاناً.