كتب أدهم مناصرة
لم تقتصر جريمة جيش الاحتلال الإسرائيلي على اعتقال عشرات المدنيين، بمن فيهم مراسل “العربي الجديد” في غزة، الزميل ضياء الكحلوت، في وضع يندى له الجبين. بل راح جنود الاحتلال إلى توثيق مشهد الاعتقال، ومن ثم نشره والكذب بوصفهم “مقاتلي القسام”.
وساهمت وسائل إعلام عبرية في عملية ترويج دعاية الاحتلال بشأن الصورة التي التقطها للغزيّين المدنيين أثناء اعتقالهم في منطقة بيت لاهيا، شمالي قطاع غزة، وكان اللافت أن بعض محطات التلفزة العبرية وصفتهم بـ”القسّاميين”، وبعضها الآخر قام بتغيير الوصف إلى “رجال من قطاع غزة سلموا أنفسهم”.
وظهر الصحافي الكحلوت معتقلاً إلى جانب عشرات المواطنين الغزيين، وتعمّدت قوات الاحتلال إجبارهم على خلع ثيابهم وتفتيشهم وإذلالهم قبل اقتيادهم إلى جهة مجهولة، وفق شهود عيان. وتُضاف هذه الصورة إلى مقاطع مصورة أخرى تُظهر اعتقال جنود الاحتلال لعشرات الغزيين بأساليب منافية للقانون الدولي ومن دون أدنى أخلاقيات التعامل مع المدنيين.
وكتب ابن عم مراسل “العربي الجديد” في غزة، محمد الكحلوت، في فايسبوك، قائلاً: “الجيش يقوم بحرق منازل حارتنا في مشروع بيت لاهيا، واعتقال جميع شباب المنطقة، منهم أخوتي علاء ومحسن، وجميع أبناء عمومتي ومدير مكتب العربي الجديد في غزة ضياء الكحلوت.. يارب يسلمهم ويرجعهم إلنا بخير”.
صورة وجع
واختزلت الصورة وجعاً كبيراً لما يكابده المواطنون في القطاع من هجمية الآلة الحربية الإسرائيلية، وغطرسة جنود الاحتلال الذين يمعنون في بث صور إذلال الفلسطينيين طيلة الحرب المستمرة على القطاع، ضمن مشهدية يحاول الاحتلال أن يفرضها كما لو أنها “صورة انتصار” على غزة.. وتأتي صورة الاعتقالات المؤلمة كما لو أن الاحتلال يرد بها أيضاً على صور تنشرها كتائب “القسام” يومياً عبر تطبيق “تيليغرام” بشأن تصديها للقوات المتوغلة وخوضها اشتباكات ضارية معها في محاورة متعددة في شمال القطاع وجنوبه.
وبدت صورة الصحافي الكحلوت، والمدنيين، ضرورة لإسرائيل كي تفرغ بها انتقامها من كل فلسطيني، معنوياً ومادياً، حتى لو كان مدنياً يعمل صحافياً أو طبيباً او مسعفاً، أو غير ذلك.
وتجدر الإشارة إلى أن الصورة التقطها ونشرها الجيش الإسرائيلي، ما يدل على أن الصورة ليست عشوائية ولا عابرة، بل مقصودة لإهانة وقهر الفلسطينيين. وروج جيش الاحتلال بأن الصورة هي “لعناصر القسام بعدما سلّموا أنفسهم”، في حين تدحض الصورة نفسها كذبته عند التمعن في وجوه المعتقلين وهويتهم المدنية.
لعلّ الاحتلال يلجأ إلى الزعم بأن المعتقلين “قساميون”؛ كي يمرر انتهاكاته ضد المدنيين الفلسطينيين، وبينهم الصحافيون، لجعلها “صورة مقبولة في ذهنية الغرب”، ثم نراه وقد تجرأ على توثيق جريمته بالصوت والصورة، كي يسوّقها “نصراً وإنجازاً على غزة”.
قمع الصحافي.. كإنجاز حربي
وفي حين تبدو مشكلة جيش الاحتلال جلية مع كل صحافي فلسطيني، سواء في الضفة الغربية أو قطاع غزة، فإن معرفته أن الزميل كحلوت صحافي، لن يكون سبباً للعفو عنه، بل سيكون دافعاً للاحتلال كي يمعن في ضربه وإهانته أكثر، مثلما حصل مع صحافيين فلسطينيين آخرين.
وواظبت قوات الاحتلال منذ 7 أكتوبر الماضي، على الاستيلاء على الهواتف الجوالة الخاصة بالصحافيين وغيرهم من المدنيين عند مرورهم على حواجز الضفة الغربية، ولم ينجُ الصحافيون عندما عثر الاحتلال على تطبيق “تيليغرام” في هواتفهم، بحجة أنهم حمّلوها لمتابعة منشورات “القسام”.. فانهالت قوات الاحتلال عليهم بالضرب والإهانة أو الاعتقال، وهو مشهد متكرر ومتصاعد منذ شهرين، فما بالك عندما يتعلق الأمر بصحافي ومدني غزّي يريد الاحتلال أن يفرغ كل جنونه فيه تحت غطاء “إنجازات الحرب”.
هي صورة لإذلال الفلسطينيين وإعادة لمشهد احتلالي غاب عن غزة منذ العام 2005 عقب انسحاب قوات الاحتلال من القطاع، وتفكيك المستوطنات. وتستدعي صورة الاعتقال في منطقة مشروع بيت لاهيا، وغيرها من صور مماثلة، مزيداً من المطالبات بمحاسبة أميركا والعالم الغربي قبل إسرائيل، لاعتقادهم أنهم متورطون في منح قوات الاحتلال الشرعية في اقتراف انتهاكات وجرائم ضد الفلسطينيين بلا حدود. ويُعرب صحافيون غزيّون في أحاديثهم لـ”المدن”، عن غضبهم الشديد من الولايات المتحدة أولاً وأخيراً، كونهم يرون أنها تتظاهر بالحرص على عدم تضرر المدنيين في قطاع غزة؛ بهدف “التغطية على جرائم الاحتلال الذي يستهدف الفلسطينيين بفئاتهم كافة”.
الانتهاكات بالأرقام
ومع اعتقال الزميل ضياء الكحلوت، يرتفع عدد الصحافيين الأسرى إلى 44 صحافياً، بينهم 41 في الضفة الغربية، وثلاثة في غزة.
ويأتي اعتقال الكحلوت، ومعه طابور من المدنيين، في سياق حملة إبادة مرفقة بمحاولات الخروج بصورة غايتها إذلال الغزيّيين، ضمن انتهاكات صعد جيش الاحتلال وتيرتها ضدّ الصحافيين منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي. وبحسب الأرقام الواردة عن نقابة الصحافيين الفلسطينيين، استشهد حتى اليوم 75 صحافياً وعاملاً في قطاع الإعلام، بينما أصيب قرابة 80 صحافياً بجروح، وفُقد صحافيان اثنان. كما قصف الاحتلال منازل عائلات 60 صحافياً، ودمر مقار 63 مؤسسة إعلامية، وعطّل عمل 25 إذاعة محلية (24 في غزة وواحدة في الضفة)، وأغلق وقيّد عمل 3 وسائل إعلامية.