كتب يزن الشامي…
الآثار البيئية للحرب في سوريا متنوعة وخطيرة، ولا يزال الخبراء غير قادرين على التنبؤ بالتأثير المدمر الكامل الذي أحدثته الحرب، بخاصة في ظل عدم قدرة المعنيين والمتخصصين على الوصول وجمع البيانات اللازمة. وفيما لم تحدّد الآثار المدمرة لحرب الأسد على المدن، تتم دعوته الى مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ، في خطوة أقل ما يقال عنها إنها تبييض لصفحته السياسية على حساب المناخ وصحة وأرواح السوريين.
لم تكن دعوة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو، للمشاركة في مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ (COP28) في دبي، الذي افتُتح يوم أمس وسيستمر لأسبوعين، أقل جدلاً من دعوة مماثلة وُجهت إلى رئيس النظام السوري بشار الأسد، يوم 15 أيار/ مايو الفائت.
حملت الأشهر التي تلت الدعوة وسبقت انعقاد المؤتمر، الكثير من الأحداث في كل من سوريا وفلسطين، وفي كلَي البلدين حرص نتانياهو والأسد على قتل أكبر عدد من الأبرياء، والمساهمة بنصيبهما من التغير المناخي عن طريق استخدام المزيد من الأسلحة المحرمة دولياً وغيرها من التجاوزات الإنسانية والبيئية.
الأسد مسؤول عن تدمير البيئة في سوريا
دعوة الأسد الى المؤتمر حصلت أمام حكومات العالم وبرضى ضمني منها، فلم يدخل كلٌّ من أميركا وبريطانيا في دعوة الإمارات لضيوفها، وسبق ونقلت صحيفة “فاينانشال تايمز”، أن مجلس الأمن القومي الأميركي قال للصحيفة في بيان له، إن “الأمر متروك لدولة الإمارات بمن تدعوه للمشاركة في مؤتمر المناخ”، مضيفاً أن الولايات المتحدة لا خطط لديها لتطبيع العلاقات مع النظام السوري من دون تحقيق تقدم حقيقي في حل الصراع السوري.
قالت بريطانيا أيضاً إن الدعوات لحضور قمة المناخ “مسألة تخص الدولة المضيفة” والأمم المتحدة، مؤكدة أن الحكومة البريطانية لا تزال تعارض التعامل مع نظام الأسد، وتعتقد أنه يجب محاسبته على انتهاكات حقوق الإنسان التي ارتكبها.
يمثل موقف كلَي البلدين نوعاً من التراخي والتساهل في التعامل مع الأسد، وبخاصة أن مواقف هذه الدول الكبيرة كانت ستشكل من دون أدنى شك ضغطاً على الإمارات لمنع حضوره.
في بريطانيا، أصدرت منظمة Temple Garden Chambers تقريراً للسير هوارد موريسون، القاضي السابق في المحكمة الجنائية الدولية، حول الأضرار البيئية الناجمة عن الحرب السورية، في ضوء دعوة الأسد الى حضور قمة COP28. التقرير يسلط الضوء على الأضرار البيئية الواسعة النطاق التي سببتها الحرب في سوريا، بما في ذلك إزالة الغابات وتسرب النفط والأمطار الحمضية والمشاكل الصحية الكبيرة التي يعاني منها السوريون.
وأوضح موريسون في تقريره، أن الأسد مسؤول عن الدمار الشامل والأضرار التي لحقت بالبيئة من خلال هجمات النظام وحملات القصف واستخدام الأسلحة الكيماوية. وعبر موريسون عن وجود تناقض في وجود شخص مسؤول عن مثل هذه الأضرار البيئية الفظيعة والتي كان بالإمكان تجنبها ضمن قمة المناخ. وأوصى التقرير بإلغاء دعوة الأسد، مؤكداً أن دعوة الإمارات للأسد تخاطر بإساءة استخدام القمة لـ”تبييض” الجرائم البيئية واسعة النطاق التي ارتكبها الأسد وقواته المسلحة في سوريا. وبدلاً من ذلك، ينبغي معالجة الآثار البيئية لحربه على البلاد في مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ (COP28).
الأسد ونتانياهو على جانب واحد
من المثير للسخرية، أن كلاً من بشار الأسد ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو، فشلا أو لم يتمكنا من حضور قمة المناخ لأسباب تبدو متقاربة، فالأول صدرت بحقه مذكرة توقيف فرنسية لضلوعه في هجمات الكيماوي على المدنيين، مستخدماً غاز السارين عام 2013، وأرسل بدلاً منه رئيس الحكومة حسين عرنوس. أما نتانياهو فقالت وزارة الخارجية الإسرائيلية لـ”الأسوشييتد برس” مساء الثلاثاء، إنه من المحتمل أيضاً ألا يحضر المحادثات، كما قالت إن وزير الخارجية إيلي كوهين لن يحضر القمة أيضاً بسبب الحرب.
المؤتمر شديد الأهمية للأسد، فهو المؤتمر العالمي الأول الذي كان سيحضره منذ عام 2011، ولا يمكن اعتبار غيابه أمراً هامشياً. وحول هذا قال المعتصم الكيلاني، المتخصص في القانون الجنائي الدولي، لـ”درج”: “أعتقد أن له دلالتين، فإما الإمارات لا تريد أن تضع نفسها بموقف محرج مع فرنسا، وخاصة أنه بالإضافة إلى اتفاقية الإنتربول هناك اتفاقية مشتركة بين الدولتين لتسليم مجرمي الحرب وتسليم الأشخاص المطلوبين لدى جهتي القضاء، أو الثانية أن بشار الأسد لا يثق بالأمارات وبالتالي اعتذر عن الحضور بشكل شخصي وكلف عرنوس لحضور تلك القمة”.
يبقى حضور أي مسؤول من نظام الأسد هو بمثابة استخفاف بالمأساة السورية إنسانياً وبيئياً، وإن كان حضور الأسد ليكون بالتأكيد ذا زخم أكبر من حضور عرنوس، سواء سياسياً أو إعلامياً، وإذا كان غيابه فعلاً خوفاً من مذكرة التوقيف، فسيكون ذلك كبارقة أمل بعدالة يتمناها السوريون الذين لا يريدون سوى محاسبة الأسد على جرائمه.
لم يتأخر النظام السوري ليحاول الاستفادة من مؤتمر المناخ لتعويمه، فجاء في الكلمة الافتتاحية للوفد السوري: “قدمت سورية بلاغها الوطني الأول حول التغيرات المناخية في عام 2010 م، ولم تتمكن من إعداد البلاغ الوطني الثاني بسبب توقف الدعم والتمويل اللازم حتى الآن لهذا البلاغ، من قبل الجهات المانحة والمنظمات الدولية ذات العلاقة بسبب العقوبات الاقتصادية الأحادية الجانب الجائرة المفروضة علينا”، هذا جزء من محاولة النظام استغلال القمة لرفع العقوبات الاقتصادية عنه، ورد أسباب تأخره عن مواكبة التغيير المناخي الى العقوبات، من دون ذكر ممارساته التي فاقمت الآثار السلبية للتغير المناخي.
كيف ساهم نظام الأسد في الدمار البيئي؟
يمكن فهم حجم الدمار البيئي الذي تسبب به الأسد سواء باستخدام الأسلحة أو عدم الخروج بحل للنزاع، في التقرير الصادر عن منظمة Temple Garden Chambers، والذي ذكر أن دعوة الأسد غير مناسبة لأنه وحكومته مسؤولان عن “كارثة بيئية وإنسانية واضحة ومستمرة في سوريا”، ومن بين الآثار البيئة المسؤول عنها نظام الأسد هو حجم الدمار الذي لحق بالمدن نتيجة قصفه لها بالطيران والبراميل المتفجرة، ما أدى إلى تراكم الأنقاض على مساحات واسعة في معظم المدن السورية من الشمال إلى الجنوب، والمعروفة أيضاً باسم “أنقاض النزاع”.
وفق دراسة أجراها البنك الدولي عام 2017، هناك ما يقارب الـ 14.9 و5.3 مليون طن من الحطام تراكمت في مدينتي حلب وحمص، ويشكل هذا الركام خطراً على البيئة والصحة العامة، إذ يمكن أن يحتوي على عدد من المواد الخطرة، مثل الأسبستوس والأسمنت والمعادن الثقيلة والمواد الكيميائية المنزلية ومنتجات الاحتراق. حتى إزالة هذا الركام، فيما لو حصلت وهو أمر غير وارد في القريب، ستشكل المزيد من المخاطر البيئية، بسبب الغبار وانبعاثات ثاني أكسيد الكربون، وفي ظل وجود هذه الكميات المرعبة من الدمار في سوريا، فإن خطر هذه الانبعاثات شديد.
من جهة أخرى، ساهمت أطراف النزاع في سوريا في تخريب البنية التحتية النفطية، فأدت الهجمات في سوريا إلى تسريبات النفط والحرائق المرتبطة بها، ما سبب في ظهور المصافي المؤقتة كبديل عن خروج المصافي عن العمل أو عدم وجود مصافي في مناطق سيطرة بعض الفصائل. والمصافي المؤقتة أكثر عرضة لحوادث التسريب، كما تؤدي إلى تعريض من يعملون فيها والمناطق المأهولة القريبة للمواد الخطرة على الصحة. كما ساهم استمرار الصراع وفقدان الوقود ووسائل التدفئة وارتفاع أسعارها، إلى زيادة الحاجة الى حطب التدفئة، فأدى الصراع بشكل غير مباشر إلى إزالة الغابات وغطاء فقدان الأشجار.
الآثار البيئية للحرب في سوريا متنوعة وخطيرة، ولا يزال الخبراء غير قادرين على التنبؤ بالتأثير المدمر الكامل الذي أحدثته الحرب، بخاصة في ظل عدم قدرة المعنيين والمتخصصين على الوصول وجمع البيانات اللازمة. وفيما لم تحدّد الآثار المدمرة لحرب الأسد على المدن، تتم دعوته الى مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ، في خطوة أقل ما يقال عنها إنها تبييض لصفحته السياسية على حساب المناخ وصحة السوريين.