عماد الشدياق نقلاً عن “إيلاف”
مع دخول الحرب بين الفصائل الفلسطينية وإسرائيل في غزة هدنة الأيام الأربعة، التي ستكون مخصصة لتبادل الأسرى وإدخال المساعدات إلى القطاع المدمّر، يعود النقاش إلى المربع الأول.
يعود تحديداً إلى محاولة البحث عما سيحدث في اليوم التالي بعد انتهاء تلك الهدنة: ماذا سيحدث بعد انقضائها؟ هل سيتجدّد وقف إطلاق النار أم ستعود المواجهات العسكرية من جديد؟ ما الأفق من كل ما حصل على مدى الأيام الخمسين المنصرمة؟ بل ماذا بعد انتهاء الحرب؟
البحث عن دولة لفلسطين
كل هذه الأسئلة تقود بشكل تلقائي، إلى ما انتهت إليه مقررات القمة “العربية – الإسلامية”، وكذلك إلى الجولة القيّمة التي تجريها اللجنة الوزارية المنبثقة عن القمة، تحديداً إلى العملية السياسية وحلّ الدولتين.
وكانت القمة التي عُقدت في الرياض في 11 تشرين الثاني (نوفمبر) الحالي، قد قررت تكليف وزراء خارجية السعودية، بصفتها رئيسة القمتين العربية والإسلامية، وكذلك كل من الأردن، ومصر، وقطر، وتركيا، وإندونيسيا، ونيجيريا، وفلسطين، والأمينين العامين للجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي، ببدء تحرك فوري باسم الدول الأعضاء من أجل بلورة تحرّك دولي لوقف الحرب على غزة، والضغط من أجل إطلاق عملية سياسية جادة وحقيقية لتحقيق السلام الدائم والشامل وفق المرجعيات الدولية المعتمَدة.
مجهود دبلوماسي كبير قامت به هذه اللجنة التي بدأت أولى جولاتها من الصين، لكنّها لم تأخذ حقها الإعلامي نتيجة التركيز على الأعمال الحربية والخسائر البشرية في غزة.
زارت اللجنة حتى الآن عواصم الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن، ما عدا الولايات المتحدة التي تُركت زيارتها حتى آخر الجولة. فالتقت اللجنة حتى الآن، بالرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ووزير الخارجية الصيني وانغ يي، وكذلك بنظيره البريطاني ديفيد كاميرون.
موسكو أهم المحطات
الزيارة الأبرز كانت في موسكو، حيث التقت اللجنة بوزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، الذي أطلق سلسلة مواقف متقدمة عن نظرائه في بقية دول الدائمة العضوية.
لافروف أكد أنّ روسيا تشارك الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي في تقييمها لـ”ضرورة وقف إطلاق النار” في قطاع غزة، وكذلك “ضرورة البدء فوراً في الاستعدادات لاستئناف عملية التفاوض من أجل بلوغ حلّ الدولتين”.
كما ذكّر كذلك، باللجنة “الرباعية الدولية” للتسوية في الشرق الأوسط، تلك اللجنة المنسية منذ سنوات طويلة. فاعتبر أن خلوّها من أيّ ممثل عن منطقة الشرق الأوسط، هو تحديداً ما أدعى إلى فشل قيامها بمهامها كما يجب، غامزاً على ما يبدو من قناة ضمّ إحدى الدول الخليجية، على الأرجح المملكة العربية السعودية إلى تلك اللجنة كي تصبح “خماسية”، مشدداً من هذا المنطلق، على “ضرورة تمثيل دول المنطقة في آليات تسوية الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي”.
والرباعية، هي لجنة دولية فوق عادية في عملية السلام للصراع العربي الإسرائيلي. أمّا الدول الأربعة المشاركين بها فهم: الولايات المتحدة، وروسيا، والاتحاد الأوروبي، والأمم المتحدة. وأنشئت في العاصمة الإسبانية مدريد في عام 2002 نتيجة تصاعد الصراع في الشرق الأوسط.
لم ينسَ لافروف إدانة الإرهاب، إذ قال “ندين الإرهاب بجميع أشكاله من دون أيّ استثناء، لكنّنا في المقابل بحاجة أيضاً إلى مكافحة الإرهاب باستخدام أساليب لا تنتهك بشكل صارخ قواعد القانون الإنساني الدولي”، ملمحاً إلى ارتكابات إسرائيل بحق الفلسطينيين، إذ أعتبر أيضاً أنّ المساعدات التي تصلهم حتى الآن، مازالت غير كافية.
وشدّد لافروف على ضرورة البدء، منذ الآن، بالتحضير لاستئناف عملية السلام، وذلك على الأساس ما تمّ الاتفاق عليه في إطار الأمم المتحدة، وخصوصاً في إطار مبادرة السلام العربية خلال قمة بيروت في العام 2002… مما يعني أنّ موسكو موافقة ضمناً على إنشاء دولة فلسطينية ذات سيادة، وعاصمتها القدس الشرقية.، وهو موقف متقدم جداً من دولة تملك حق النقض الفيتو داخل مجلس الأمن التي تعلن ذلك جهاراً وبلا أيّ حسابات.
واشنطن آخر المحطات
وأكثر ما أثار تساؤلات حول تحرك اللجنة العربية الإسلامية، هو تأجيل زيارتها واشنطن إلى آخر محطة في الجولة، مما أعطى انطباعات متضاربة.
ففيما وصفها البعض بأنّها متوقعة باعتبار أنّ كلمة الفصل في العالم تعود إلى الولايات المتحدة، رأى بعض المراقبون بأنّ الدول العربية والإسلامية ما عادت تنظر إلى واشنطن باعتبارها وسيطاً نزيهاً، وإنما طرفٌ منحازٌ بالكامل لصالح إسرائيل، خصوصاً أنّ الولايات المتحدة وحلفاءها الغربيين، جاهروا منذ اليوم الأول بتزويد إسرائيل بكل ما تحتاجه من الأسلحة، التي قتلت بها المدنيين الفلسطينيين، من دون بذل أي جهد يذكر لإنهاء الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي.
أضف إلى ذلك، أنّ المحللين، يعتبرون – وهو ما تتقاطع عنده وجهات النظر الروسية الرسمية – أنّ سلوك واشنطن حيال الحرب في غزة، قائم على مواصلة زعزعة استقرار الوضع في الشرق الأوسط.
ويرون أنّ ذلك كله من أجل تحقيق أهداف أميركا جيوسياسية، التي تتّسم بـ”الأنانية”، وقوامها محاولة تثبيت الأحادية القطبية في العالم… حتى لو كان ذلك على حساب الأمن والسلم الدوليين، فهل سيستمر الحال كما كان عليه الصراع العربي – الإسرائيلي في السنوات الـ 75 الماضية؟
الجواب سيبقى معلقاً إلى حين وقف إطلاق النار في غزة بشكل كامل ومستدام، وكذلك بعد تكشّف ماذا استطاعت اللجنة “العربية – الإسلامية” أن تحصّل من مواقف في لقاءاتها مع ممثلي الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن، من أجل إنهاء هذا الصراع، بل ما هو حجم الضغوط التي سوف تبذلها تلك الدول الأربعة (الصين، روسيا، فرنسا وبريطانيا) بعد دخولنا مرحلة العملية السياسية ما بعد الصراع المسلّح، كذلك ماذا سوف تستطيع اللجنة أن تفرض على واشنطن وتل أبيب في ختام تلك الجولة المكوكية.