يجد المدنيون اللبنانيون الشيعة أنفسهم الأكثر تضرراً من الحرب بين إسرائيل وحزب الله، ويعتقد الكثير منهم أنهم يتعرضون لعقاب غير عادل لأنهم يشتركون في الهوية المذهبية مع مقاتلي حزب الله وغالباً ما يعيشون في نفس المناطق.
ويعيش شيعة لبنان بين ضفتين ضبابيتين، ضفة أولى تحرص إسرائيل على صنعها لخلق بيئة أزمة كبرى في لبنان من خلال استهداف المناطق دون تفريق بين مدني ومسلّح، وكذلك استهداف المناطق التي تستقبل نازحين شيعة، لتخلق أزمة ثقة كبرى بين الشيعة وسكان المدن التي تستقبلهم، ما قد يتسبب في اندلاع فتنة فيتحول الصراع إلى حرب أهلية يصفّي فيها اللبنانيون بعضهم البعض.
وهناك ضفة مكوّنة من أطراف لبنانية وإقليمية تعتقد أن عزل شيعة لبنان هو مقدّمة لقطع علاقتهم بإيران لمنع تكرار هيمنة تنظيمات مثل حزب الله أو دول مثل إيران على أقلية طائفية مهما كانت المسببات.
ويخشى بعض الشيعة أن يؤدي إضعاف حزب الله إلى تهميش المجتمع بأكمله سياسياً بمجرد انتهاء الحرب. ولكن آخرين يعتقدون أن ذلك قد يوفر فرصة سياسية لأصوات شيعية أكثر تنوعاً.
وفي ظل هذه الشكوك، يدفع المدنيون الشيعة ثمنا باهظا للحرب التي لا دور لأغلبهم فيها سوى أنهم يسكنون بمناطق حزب الله.
وقال وائل مرتضى وهو شاب شيعي كان يراقب بقلق المسعفين وهم يبحثون بين الأنقاض بعد أن دمرت غارة جوية إسرائيلية مؤخراً منزل عمه المكون من طابقين وقتلت 10 أشخاص “هذا واضح. من هم الآخرون الذين يتعرضون للهجوم؟”
وركزت إسرائيل هجماتها على القرى في جنوب وشمال شرق لبنان والأحياء الواقعة جنوب بيروت، وهذا هو المكان الذي يتحرّك فيه العديد من مقاتلي حزب الله، وتعيش أسرهم جنباً إلى جنب مع أعداد كبيرة من الشيعة الذين ليسوا أعضاء في الحزب.
وتصرّ إسرائيل على أن حربها ضد حزب الله وليس ضد الشعب اللبناني أو الطائفة الشيعية. وتقول إنها تستهدف فقط أعضاء الجماعة المسلّحة المدعومة من إيران في محاولة لإنهاء حملتها المستمرة منذ عام لإطلاق الصواريخ عبر الحدود.
لكن الأهداف المعلنة لإسرائيل لا تعني الكثير لأشخاص مثل مرتضى، حيث يموت عدد متزايد من المدنيين الشيعة في حرب تصاعدت بشكل حاد في الأشهر الأخيرة.
ولا يقيس الشيعة معاناة مجتمعهم بالوفيات والإصابات فحسب. فقد سُوِّيت أجزاء كاملة من مدينة صور الساحلية بالأرض. ودُمّرت أجزاء كبيرة من السوق التاريخي في مدينة النبطية، الذي يعود تاريخه إلى العصر العثماني. وفي بعلبك، ألحقت غارة جوية أضراراً بفندق بالميرا الشهير في المدينة، والذي افتُتح في أواخر القرن التاسع عشر، وبمنزل يعود تاريخه إلى العصر العثماني.
وقال مهند حاج علي، وهو زميل بارز في مركز كارنيغي للشرق الأوسط في بيروت، في تصريح لوكالة أسوشيتد برس، “يتعرض الشيعة اللبنانيون لعقاب جماعي. ويتم تدمير مناطقهم الحضرية، وتدمير معالمهم الثقافية ومبانيهم.”
ومع فرار الشيعة من قراهم وأحيائهم التي مزّقتها الحرب، فإن الصراع يلاحقهم بشكل متزايد إلى أجزاء أخرى من لبنان، وهذا من شأنه أن يغذّي التوترات.
وقُتل العشرات من الناس بسبب الغارات الجوية الإسرائيلية على المناطق المسيحية والسُنّية والدرزية التي لجأ إليها الشيعة النازحون، ما جعل السكان في هذه المناطق يتردّدون في توفير المأوى للنازحين خوفًا من أن يكونوا على صلة بحزب الله.
وقال واصف حركة، وهو محام من الضاحية الجنوبية لبيروت والذي ترشّح في عام 2022 ضد حزب الله في الانتخابات البرلمانية في البلاد والذي هُدم مكتبه مؤخرًا بغارة جوية إسرائيلية “الإسرائيليون يستهدفون لبنان بأكمله.” وهو يعتقد أن جزءًا من هدف إسرائيل هو تفاقم الاحتكاكات داخل لبنان الذي لديه تاريخ طويل من القتال الطائفي.
ويقول بعض الشيعة إن التصريحات الصادرة عن الجيش الإسرائيلي على مر السنين لم تفعل سوى تعزيز الشكوك في أن مجتمعهم الأوسع مستهدف كوسيلة للضغط على حزب الله.
ومن الأمثلة الشائعة ما يسمّى بعقيدة الضاحية، التي تبناها لأول مرة الجنرالات الإسرائيليون خلال حرب 2006. وهي إشارة إلى الضاحية الجنوبية لبيروت أين يقع مقر حزب الله وحيث تم تدمير تجمعات سكنية كاملة وجسور ومجمّعات تسوق في كلتا الحربين. وتقول إسرائيل إن حزب الله يخفي الأسلحة والمقاتلين في مثل هذه المناطق، مما يحولها إلى أهداف عسكرية مشروعة.
وقد فسر الشيعة مقطع فيديو نشره الجيش الإسرائيلي الشهر الماضي على أنه دليل آخر على عدم التمييز بين مقاتلي حزب الله والمدنيين الشيعة.
وفي حديثه من قرية في جنوب لبنان لم يذكر اسمها، وصف المتحدث العسكري الإسرائيلي دانييل هاغاري هذه القرية بأنها “قاعدة إرهابية. هذه قرية لبنانية، قرية شيعية بناها حزب الله.” وبينما كان يتجول في أحد المنازل ويستعرض مخزونات القنابل اليدوية والبنادق ونظارات الرؤية الليلية وغيرها من المعدات العسكرية، قال هاغاري “كل منزل هو قاعدة إرهابية.”
وقد نفى متحدث آخر باسم الجيش الإسرائيلي فكرة أن إسرائيل تحاول طمس الخط الفاصل بين المقاتلين والمدنيين. وقال المقدم ناداف شوشاني “إن حربنا هي مع جماعة حزب الله الإرهابية وليس مع السكان اللبنانيين، أيّا كان أصلهم.”
ويلقي العديد من اللبنانيين، بما في ذلك بعض الشيعة، باللوم على حزب الله في معاناتهم، في حين ينددون في الوقت نفسه بالقصف الإسرائيلي. فقد بدأ حزب الله في إطلاق الصواريخ على إسرائيل العام الماضي في اليوم التالي لمهاجمة حماس لإسرائيل وبدء الحرب في غزة؛ وهو ما يتعارض مع وعود الجماعة باستخدام أسلحتها للدفاع عن لبنان فقط.
وفي وقت مبكر من الحرب، قتلت الغارات الجوية الإسرائيلية نحو 500 عضو من حزب الله، لكنها لم تتسبب إلا في أضرار جانبية قليلة للغاية. ولكن منذ أواخر سبتمبر، دمرت الغارات الجوية مباني ومنازل بأكملها، وفي بعض الحالات قتلت العشرات من المدنيين عندما كان الهدف المقصود عضواً أو مسؤولاً في حزب الله.
وفي يوم دام بشكل خاص، 23 سبتمبر، قتلت الغارات الجوية الإسرائيلية ما يقرب من 500 شخص ودفعت مئات الآلاف ومعظمهم من الشيعة إلى الفرار من منازلهم في حالة من الذعر.
وفر أقارب مرتضى من الضاحية الجنوبية لبيروت في أواخر سبتمبر بعد أن دمرت الغارات الجوية أحياء بأكملها. وانتقلوا 22 كيلومترًا (حوالي 14 ميلاً) شرق المدينة، إلى قرية بعلشماي الجبلية ذات الأغلبية الدرزية للإقامة في منزل عم مرتضى.
ثم في 12 نوفمبر، دُمّر المنزل الذي لجأوا إليه دون سابق إنذار. وقال مرتضى إن الغارة الجوية قتلت تسعة أقارب – ثلاثة رجال وثلاث نساء وثلاثة أطفال – وعاملة منزلية.
وقال الجيش الإسرائيلي إن المنزل كان يستخدمه حزب الله. وقال مرتضى، الذي فقد جدته وخالته في الضربة، إن أحدًا في المنزل لم يكن مرتبطًا بالجماعة المسلحة. ولقد تباهى حزب الله منذ فترة طويلة بقدرته على ردع إسرائيل، ولكن الحرب الأخيرة أثبتت العكس وألحقت خسائر فادحة بقياداته.
المصدر: العرب