كتبت د. نسب مرعب في لبنان الكبير…
اليقين مرتبة روحية سامية وعميقة في الإخلاص. واليقين كذلك سمة نفسية يتحلّى بها المحبون حقاً، وبُعد إيمانيّ يدركه فقط السالكون على درب الثقة.
أمّا السياسة فهي فن حياكة الواقع بدهاء، وحنكة لا تخلو من المكر طمعاً بتحقيق طموحات قيادية باطلة، توسيع النفوذ الطاغي، وبسط السيطرة الفانية فور زوال القوة.
للوهلة الأولى، يتساءل القارئ الكريم كيف لليقين أن يلتقي بالسياسة، وهذا تساؤل مشروع. وتكمن الإجابة في ماهية السياسة الحكيمة، وطبيعة النهج النبيل الذي يعتمده القُطب، والذي يجعل مؤيديه ينتظرونه بيقين تام كعودة الطيور المهاجرة معلنة إنتهاء موسم القحط والجفاف والجليد.
عودة القائد فرصة للتأكيد من جديد أنّ الرحيل لا يعدو كونه تقليم لأظافر النسر، كي تعود أكثر إمساكاً بمفاصل الدولة الرشيدة، والحكم العادل والشأن العام. وقد كان الغياب مجرّد إختفاء ظرفي عن واجهة الأحداث لرؤيتها بعيون ثاقبة. وها هي أزمنة الرجوع الظافر تتأهب لتملأ الفضاءات المتسعة عزاً وحبوراً.
يجوز الاحتفال به بل ينبغي لنا ذلك، لأنّ كلّ من مرّ علينا لا يعادل ريشة صغيرة من جناح نسرنا. القادة عادة يستغلّون الأتباع، يبيعونهم الأوهام، ثمّ يسحقونهم كالحطام عندما تتطلب اللحظة السياسية ترويعهم وتشتيتهم من أجل ولاية عقائدية ما، أو مشروع سلطوي ما.
بينما القائد الذي نعرفه، يحيا لأجل مريديه، ويستميت في الدفاع عنهم، وبذل نفسه في سبيل راحتهم وكرامتهم.
إنّ السياسة ترتقي باليقين وتتجلّى بنوره حتى يتبلور أجمل وجه لها. وعند تعلّق المحازبين بقائدهم يتكوّن لديهم يقين أنه لن يخذلهم، ويعتقدون بكل قوة لا يشوبها أدنى شك أنّ اللقاء به حاصل لا محالة، إنطلاقاً من إيمانهم بالله الذي وهبهم إياه في المرة الأولى، ولن يحرمهم منه وهم في أشدّ الحاجة لعودته.
وحين يسعى القائد إلى إسعاد من حوله، تغدو سياسته نقية وحتى تقية، لأن القائد يختار الاحتراق لكي ينعم المؤيدون بالدفء المعنوي والسلام والاستقرار.
القائد الذي يبتعد عن المشهد حفاظاً على مناصريه، تكون إدارته للقضايا وممارسته العملية ذروة التفاني في خدمة رعيته. وقمة اليقين أن يتعلّق المجتمع الحاضن بالشخصية الرمز، وأن يتماهى معها، أن يراها في كل الثنايا.. يقين لدى الجماعة بأن مصلحتها العليا وحدها تجول في خاطر القائد، وهذا الأخير يحلّق عالياً لأجلها، يصطاد الفرص لأجلها، ويعود مكلّلاً بالنصر لأجلها.
العودة جوهر اليقين ونبراسه، واليقين دليل العودة وناصيتها. وعند عودة القائد يزهر اليقين في كل حقول الوفاء والمعرفة.