كتب عماد الدين أديب…
كلّ الخوف أن يكون مسرح الفصل الدموي الثاني من طوفان الأقصى (الفعل وردّ الفعل) هو الساحة اللبنانية.
مصلحة اليمين الديني الإسرائيلي والتيار المحافظ الإيراني هو في مواجهة محدودة توقيتها يبدأ قريباً ويتوقّف في تشرين الثاني المقبل حينما يُحسم من هو سيّد البيت الأبيض في انتخابات الرئاسة.
استطالة الحرب ونقلها من غزة إلى جنوب لبنان يخدمان العمر السياسي لنتنياهو وتحالف اليمين الذي يعاني من أغلبية هشّة في الكنيست.
تهديد صواريخ الحزب للشمال الإسرائيلي تخدم التيّار المتشدّد في الحرس الثوري الذي يؤمن بأنّ القوّة العسكرية وحدها هي السبيل إلى فرض الوجود الإيراني على طاولة تقسيم النفوذ الإقليمي والحصول على مكاسب ترغم الأميركيين على رفع العقوبات الشاملة على إيران.
التصور المتداول أن تكون حرباً محدودة بمعنى انضباطية في قواعدها تترجم الكود الأمنيّ ذاته الذي اتّبع في التراشق الصاروخي بين إسرائیل وإيران قبل 3 أشهر.
مخاطر مثل هذا السيناريوأنّ هذه العمليات قد نعرف متى تبدأ وكيف يمكن أن تدار، لكن لا يمكن معرفة كيف تضبط مساراتها وكيف ومتى تنتهي.
تريد إسرائیل أن تثبت أنّ أمن المنطقة كلّه في حوزة وسيطرة جيشها. والمستويان السياسي والعسكري في تل أبيب یريان أنّ جيشها هو الوحيد القادر على القتال في 7 جهات في آن واحد، ومواجهة قذائف حماس والجهاد الإسلامي والحوثيين والحشد الشعبي والحزب والدفاع والهجوم برّاً وبحراً وجوّاً بكفاءة وسيطرة في آن واحد.
قيادة فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني تؤمن إيماناً راسخاً بأنّ مسار حرب غزة يثبت ميدانياً ضعف وهشاشة أسطورة جيش الدفاع الإسرائيلي الذي لا يقهر.
ترى قيادة فيلق القدس أنّ العمل التنسيقي المقاوم من غزة إلى اليمن، ومن العراق إلى جنوب لبنان، ومن سوريا إلى إيران، سوف ينهي خرافة السيطرة الإسرائيلية على مقادير أمن المنطقة.
الجبهة اللبنانيّة الإسرائيليّة
ما بین إسرائیل ولبنان نزاع حدودي ووجودي يعلو وينخفض تبعاً للمناخات والصراعات السياسية الإقليمية.
رسمياً هناك خلاف على 13 نقطة حدودية تبدأ من رأس الناقورة (3,341 متراً مربّعاً) إلى النقطة الثالثة عشرة في الوزّاني (152,656 متراً مربّعاً).
يُعتقد استراتيجياً ولدى الخبراء أنّ أخطر وأهمّ نقطة لدى الجيش الإسرائيلي هي نقطة رأس الناقورة لأنّ تأثيرها كبير على مجرى ترسيم الحدود البحريّة والمنطقة الاقتصادية الخالصة وتعطي ميزة جغرافية لمن يسيطر عليها من مستوطنة “روش هانيكرا” إلى رأس مدينة حيفا.
في الوقت الذي ترفع فيه قيادة الحزب ضرورة استكمال تحرير النقاط المتنازع عليها يفكّر العقل التخطيطيّ الاستراتيجي الإسرائيلي في حسم السيطرة على هذه النقاط نهائياً.
تدرك قيادة الجيش الإسرائيلي أنّ الحزب الذي واجهه عام 2000 و2006 هو الآن من حيث القوّة والتسليح أكثر كفاءة وتسليحاً ودعماً وجرأة قتاليةً معنويّةً.
تدرك هذه القيادة أيضاً أنّ تهجير 75 ألفاً من المستوطنات الشمالية إلى الداخل الإسرائيلي يشكّل ضغطاً مادّياً وسياسياً ومعنوياً على الحكم في تل أبيب.
ربّما رسالة إرسال 166 صاروخاً دفعة واحدة إلى الشمال والجليل الإسرائيلي من قبل الحزب هي رسالة موجعة أدّت إلى تصريحات من بن غفير وسموتريتش وأنصارهم تركّز على أنّ السكوت أو عدم القضاء العسكري نهائياً على قدرات الحزب سوف يشجّع إيران على القضاء النهائي على الدولة العبرية.
تكرّرت عبارات ودعوات إلى ضرورة القيام بحرب برّية شاملة ليس في الجنوب فحسب، لكن في لبنان كلّه لتدميرالحزب وأنصاره وأيّ بيئة له من الأنصار.
يحدث هذا في الوقت الذي حذّر فيه بلينكن خلال زيارته الثامنة للمنطقة المسؤولين الإسرائيليين من مخاطر توسيع نطاق الحرب فى المنطقة مستنداً إلى تقرير تحذيري من الاستخبارات الأميركية يقول إنّه في حال حدوث مثل هذا العمل العسكري الإسرائيلي فإنّ إيران مستعدّة لإغراق الجبهة اللبنانية بآلاف المقاتلين من اليمن وسوريا والعراق.
تقول التقديرات العسكرية إنّ الحزب يملك 150 ألف قذيفة هاون و65 ألف صاروخ يصل مداها إلى 80 كلم، و5 آلاف صاروخ وقذيفة يراوح مداها بين 80 و200 كلم، و5 آلاف أخرى يصل مداها إلى أكثر من 200 كلم، ويمتلك 2,500 طائرة مسیّرة ومجموعة من الصواريخ المطوّرة مثل الصواريخ المضادّة للطائرات أو صواريخ كروز. وتستطيع قوّة النيران هذه أن تستهدف كامل الأراضي الإسرائيلية.
عنصران يتحكّمان بقرارات الحزب
عنصران يتحكّمان في هذه اللحظة التاريخية بقرار الحزب:
1- القرار الاستراتيجي الإيراني بالخروج عن قواعد الاشتباك الاستراتيجي في المنطقة وتوسيع الصراع الإقليمي.
2- إشكالية عدم وجود بيئة حاضنة على مستوى المجتمع والقوى السياسية اللبنانية لتحمّل تبعات أيّ حرب محدودة أو شاملة مع إسرائيل في وقت تعيش فيه البلاد والعباد أسوأ وأقسى أوضاعهم المعيشية وأدنى حالات الفراغ المؤسّسي السياسي.
على عهدة معهد “ألما” الاستراتيجي الإسرائيلي فإنّ هناك دراسة للباحث المميّز تال بيري المتخصّص في ملفّ التحدّيات الأمنيّة على ما يعرف بالحدود الإسرائيلية الشمالية، يتوقّع فيها أن تستوعب هذه الجهة أكبر قدر من النيران عرفته المنطقة في حال نشوب القتال مع الحزب.
حتى الآن يتحسّس كلّ من الطرفين الإسرائيلي والإيراني زناد بندقيّته ومفاتيح إطلاق صواريخه للإجابة على السؤال الكبير: أيّهما أفضل لكلّ طرف، أن يستمرّ التراشق بعمليات نوعية لتصفية قادة الحزب بناء على اختراقات استخبارية دون توسیع نطاق الحرب أم تحويل جيش الدفاع مغامراته البرّية الحالية في الشمال إلى غزو برّي شامل يعيد فيه تغيير خريطة الخطّ الأزرق؟
هناك سؤال مجنون لم يطرح من قبل: هل لدى الحزب قرار بعمل طوفان أقصى لبناني على غرار طوفان الأقصى الحمساوي؟