كتب منير الربيع وفرزاد قاسمي في “الجريدة” الكويتية:
تتكثف الاتصالات والمساعي الدولية لمنع اندلاع حرب في جنوب لبنان، الأمر الذي يوحي بأن التهديدات الاسرائيلية بشن عملية واسعة داخل لبنان باتت أكثر جدية، في وقت تتصاعد المواجهات كمّاً ونوعاً بشكل متدرج عبر الحدود بين حزب الله والجيش الإسرائيلي.
وعبّر مسؤول أميركي كبير أمس عن قلق واشطن الشديد حيال التصعيد على الحدود الإسرائيلية اللبنانية، مضيفاً إن وقف إطلاق النار في غزة ليس كافيا بل نحتاج إلى ترتيبات محددة للأمن في الشمال. وأكد أن واشنطن تسعى إلى منع الوضع على الحدود اللبنانية من التحول إلى حرب شاملة. وكان وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن قال خلال زيارته الى إسرائيل:» نحاول منع التصعيد في جنوب لبنان، ولا أحد يرغب في حرب جديدة هناك».
بدوره، عبّر وزير الدفاع الأميركي لويد اوستن، خلال اتصال بنظيره الإسرائيلي يوآف غالانت، عن قلقه من التوتر على الحدود مع لبنان. وأكدت المتحدثة باسم «البنتاغون»، سابرينا سينغ، في إفادة صحافية: «لا نريد أن نشهد صراعاً إقليمياً أوسع نطاقاً. نريد أن نشهد خفض تصعيد للتوتر في المنطقة».
وأشارت تسريبات نقلت عن مسؤولين أميركيين أن الولايات المتحدة تشعر بالقلق إزاء اندفاع إسرائيل إلى حرب مع حزب الله، أو الانجرار إليها من دون استراتيجية واضحة أو النظر في التداعيات الكاملة لصراع أوسع. هذه التشريبات تعني أولا أن هناك تبايناً واضحاً بين واشنطن وتل أبيب، وثانيا أن الإسرائيليين أصبحوا يفكرون جدياً في توسيع الصراع، بينما تسعى واشنطن للجمهم.
تأتي هذه التحذيرات الأميركية في وقت يجري قائد الجيش جوزيف عون زيارة الى الولايات المتحدة، عقد خلالها لقاءات مع مسؤولين عسكريين وأعضاء في «الكونغرس»، للبحث في سبل دعم الجيش اللبناني، والنقاش معه في كيفية ضبط الوضع بالجنوب، خصوصاً أن الجيش سيكون مسؤولاً عن تطبيق القرار 1701، وسيتعزز وجوده بعد وقف إطلاق النار.
في هذا السياق، وصلت معطيات لـ «الجريدة» تفيد عن اختراقات حققها الدور المتقدم الذي تؤديه دولة قطر بناء على طلب أميركي للوصول الى إرساء التفاهم في جنوب لبنان وتحضير الأرضية الكاملة للتوصل الى اتفاق ينهي المواجهات على الحدود والبدء بتطبيقه بمجرد الوصول الى وقف لإطلاق النار في قطاع غزة. وتكشف مصادر متابعة لـ «الجريدة» الى أن الزيارة التي أجراها أخيراً المعاون السياسي لرئيس مجلس النواب علي حسن خليل الى الدوحة، كانت تتركز على البحث في وضع الجنوب، وفي كيفية إحراز تقدم بشأن إنجاز إتفاق يوقف المواجهات، هذا التحرك القطري جاء بناء على تفويض أميركي، كما أن خليل مكلف من قبل الثنائي الشيعي في نقل الرسائل والمواقف والإجابات.
وكشف المعطيات أن النقاش وصل الى مراحل متقدمة، تتصل بوضع خطة شاملة لوقف إطلاق النار، والسماح بعودة السكان على جانبي الحدود، إضافة الى منع المظاهر المسلّحة، ولكن بقاء سكان الجنوب بمن فيهم مقاتلو حزب الله في منازلهم، لكن من دون سلاح ثقيل أو ظاهر.
ولا تستخدم المفاوضات أي عبارة حول انسحاب حزب الله الى شمال نهر الليطاني، فيما سيتم سحب السلاح الثقيل والصواريخ البعيدة المدى والدقيقة.
ولا تزال هناك نقطتان عالقتان بحاجة الى المزيد من التفاوض، الأولى تتعلق بالتحليق الإسرائيلي في الأجواء اللبنانية، إذ ان لبنان يشترط وقف الخروقات الإسرائيلية، فيما الإسرائيليون يرفضون، بينما هناك اقتراح أميركي يشير الى تحليق المسيّرات على علو مرتفع جداً، ولا يتمكن السكان من رؤيتها أو سماع صوتها، الأمر الذي يعترض عليه حزب الله. والثانية هي مسألة مزارع شبعا وتلال كفرشوبا التي سيكون بتّها مؤجلاً.
وتتضمن المفاوضات أيضاً، في المقابل، دفع أميركي لعمليات التنقيب عن النفط والغاز، والمساهمة من قبل قطر في إعادة اعمار الجنوب، والعمل على تقديم حزمة اقتصادية بالتعاون بين مجموعة دول، والمساعدة في قطاع الكهرباء.
وفي طهران، أكد مصدر في «الخارجية» الإيرانية أن مفوض السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل اتصل بالقائم بأعمال وزير الخارجية الإيرانية علي باقري كني، مطالبا إياه بتعاون إيران مع الاتحاد الأوروبي للجم التصعيد الحاصل بين اسرائيل ولبنان.
وقال المصدر إن كني، العائد من بيروت حيث التقى الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله، أخبر بوريل بأن حزب الله لا يريد التصعيد، وكان يمارس أقصى درجات ضبط النفس الممكنة، لكن الإسرائيليين يستفزون الحزب بضرباتهم واغتيالاتهم، مما يجبره على تغيير أدائه لمنع الإسرائيليين من التمادي.
وأكد الوزير الإيراني لبوريل أنه إذا أوقفت اسرائيل عملياتها في لبنان والتزمت بقرار مجلس الأمن الأخير بوقف اطلاق النار في غزة، فإن كل شيء على حبهة لبنان الجنوبية سوف ينتهي.
وقال المصدر إن إيران تلقت رسائل مشابهة من قبل واشنطن عبر إحدى الدول العربية الخليجية طالبت فيها إدارة الرئيس جو بايدن من طهران التعاون للجم التصعيد، وهو ما ردت عليه طهران بدعوة الأميركيين للجم إسرائيل، مؤكدة أنه إذا حاولت إسرائيل اجتياح لبنان، فإن ايران و»جبهة المقاومة» بأكملها ستتدخل بكل ما لديها من قدرات لدعم اللبنانيين، ومحذرة واشنطن من دعم أي هجوم إسرائيلي واسع على جنوب لبنان.
وأجرى كني، أمس، زيارة الى بغداد، والتقى خلالها وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين من «خطر» توسّع رقعة النزاع في جنوب لبنان «ليس فقط على لبنان، بل أيضًا على المنطقة» بأسرها، مؤكدًا أن «هجومًا على جنوب لبنان» من شأنه أن «يؤثر على عموم المنطقة».
وأشارت تقارير الى أن إيران سعت في الأسابيع الأخيرة الى زيادة التنسيق بين الفصائل العراقية الموالية والمتمردين الحوثيين في اليمن، تحسبا لاحتمال تعرّض حزب الله لهجوم إسرائيلي وجرى بالفعل الإعلان عن عمليات مشتركة ضد «مصالح إسرائيلية» بين الفصائل العراقية واليمنيين.