وجه مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان، رسالة الى اللبنانيين من مكة المكرمة، لمناسبة حلول عيد الأضحى المبارك، جاء فيها:
“استقبال عيد الأضحى ليست بكلمة عادية تقال في مناسبة الحج السنوية. بالطبع هي تعبير عن شعائر الحج والإعلان عن إنجازه، لكنه من جهة ثانية وثالثة هو استذكار خالد لبناء إبراهيم وإسماعيل للبيت العتيق، وهو تذكار للأضحية الكبرى والرمز الأبرز.
الأضحى هو ذاك الميراث الإسلامي الخالد في ما بين إبراهيم ومحمد صلوات الله وسلامه عليهما الذي بعث بالكتاب والحكمة والتزكية. وهكذا فالأضحى هو تضحية وامتنان وإحسان.
يحضر الأضحى هذا العام، وفيه تحضر معه المذابح الكبرى التي يقوم بها الصهاينة في غزة وسائر فلسطين هي جريمة العصر التي تجري تحت سمع العالم وبصره، والتي يقتل فيها الأطفال بالآلاف، ويقال إن ذلك يجري من أجل الانتقام والأمن، وكيف يأمن هؤلاء الذين لا يعرفون الرحمة ولا يصغون لصرخات البشرية والإنسانية، ويصرون على الاحتلال والقتل والاستعباد، لأكثر من سبعين عاما.
في هذه الأيام المباركات، يعيش إخواننا وأهلنا في غزة خاصة، وفلسطين عامة، حربا شرسة مدمرة، ومجازر مروعة لم تشهد لها الإنسانية مثيلا، يرتكبها عدو لا ينتمي إلى البشرية إلا بالاسم، ويحظى للأسف بتأييد دولة عظمى ومن يدور في فلكها من دول الغرب التي تنادي رياء بحقوق الإنسان، وترفع شعارات تكون هي أول من ينقضها ويخالفها، إن ما يقوم به العدو من أعمال وحشية يبرأ منها من له قلب حي، وضمير صاح، فلا بد لهذا الليل من أن ينجلي، ولا بد للحق من جولات ينتصر فيها على الباطل”.
أضاف المفتي دريان :”نمضي في شعائر الحج وعقولنا وقلوبنا مثقلة بالواقع المتردي، وبالاحتمالات المخيفة. أعيادنا تأتي احتفالا بأداء العبادات، بحيث يفرح صغارنا، ونفكر معهم وبهم بالمستقبل، فأي مستقبل نستطيع وعد أبنائنا به وهم لا يرون إلا الدمار في الأجساد والعقول والأمزجة! في القرآن الكريم يقول الله تعالى:”أنّ الأرضَ يرثُها عِبادِيَ الصالحون” فأين هم الصالحون الذين يبعثون على الأمل والرجاء، وصنع الجديد والمتقدِّم؟ صار معظم الشبان الصالحين والناجحين في الخارج العربيّ والدوليّ، وصار كثيرون منهم يخشَون العودة حتى لزيارة ذويهم! فمتى نتوقَّفُ عن العناد والانزلاق الخطير نحو الهاوية؟”.
وتابع :”أين صار انتخاب رئيس الجمهورية، وأين مجلس النواب المنتخب والمنقسم، وأين الحكومة ؟! عندما نسمع وسائل الإعلام يخيل إلينا أننا في حرب داخلية لا تقل هولا عن اشتباكات الجنوب المستمرة. البلد مفلس، والحديث عن الفساد المالي والسياسي لا يتوقف، ولا أحد يخشى من المحاسبة في بلد القانون والحريات، وهي حريات في وجه المواطنين وحقوقهم وكراماتهم. لا ينبغي أن يظل الكلام عاما ولا بد من تحديد الفاسدين سياسيا وماليا بأسمائهم. وإذا لم يكن السياسيون مسؤولين عن حماية أحوال الناس وأعمالهم ومعيشتهم بل وقرارهم، فلماذا يبقى هؤلاء ويقتصر عملهم على إدانة بعضهم بعضا؟ نحن بلد سائب من الداخل، وسائب تجاه الخارج”.
وأردف :”إن رئاسة الجمهورية هي أساس التوازن الوطني، وهي الحكَم بين المؤسسات، والمحتوية لاستقرارها، فينبغي اجتراح الحلول والمخارج لإنجاز هذا الاستحقاق بالحوار والتشاور لمصلحة لبنان واللبنانيين، فدوامة الانتظار والتأجيل بدأت تطرح علامات استفهام على مصير لبنان واللبنانيين ومستقبلهم”.
وتابع:”التضامن الداخلي ضرورة وطنية، علينا أن نتمسك باتفاق الطائف الذي يصون الدولة ويحصن الجميع، فالوطن لا يحتمل كبرياء ولا تعنت ولا انكفاء، ولا وضع شروط وشروط مضادة، فلبنان بلد التوافق والحوار، من أجل التفهم والتفاهم والتلاقي والوفاق.
والمصلحة اللبنانية تقتضي التفاعل والتنسيق والتكامل مع الأشقاء العرب، وبخاصة مع دول مجلس التعاون الخليجي، لاسيما وأن لدينا مئات الآلاف من اللبنانيين يعملون ويساهمون في تنمية المجتمعات العربية، وهذا يعني أن نقابل الإخوة العرب بكثير من المودة والوفاء والمصالح المشتركة، وأي تعرض لأي دولة عربية هو تعرض للبنان وشعبه ومصالحه، فهل نحن متعظون؟.
وختم: نسألك اللهم والحجيج في البلد الحرام يهتفون: لبيك اللهم لبيك، أن تبعث في قلوبنا الهيبة والرحمة، وأن تجعل أسماعنا وأبصارنا موجهة بالدعاء أن تسكن أوطاننا، وأن يخرج إنساننا من هذه الأزمات التي تعصف ولا تتوقف. اللهم اجعل أضحانا نهاية لهذا البلاء، وكل حج وأضحى وأنتم أيها المواطنون الأعزاء بخير وأمان، والسلام عليكم”.