كتب منير الربيع في “المدن”:
عشرون عاماً بين قمة النورماندي 2004 والقمة عينها 2024. الفوارق كثيرة وكبيرة في السياسة التي ينتهجها الغرب تجاه المنطقة.
في العام 2004، كان الاتجاه الغربي في الشرق الأوسط هو نحو مزيد من الإنخراط الهجومي والسعي إلى التغيير الجذري. وهو مشروع تبناه الأميركيون في صناعة الشرق الأوسط الجديد ما بعد أحداث 11 أيلول. جاءت حرب العراق في العام 2003، وجاء التصريح الشهير للرئيس الأميركي جورج بوش حول محور الشرّ، والإنطباع الذي أعطي حول خريطة طريق مواجهة إيران في المنطقة. استكمل ذلك في العام 2004 بالقرار 1559 تجاه لبنان وما تلاه من أحداث أهمها اغتيال الرئيس رفيق الحريري، وخروج الجيش السوري من لبنان، في مقابل الإتيان بنتيجة عكسية حول وضع إيران في المنطقة التي تعزز نفوذها.
قراءة حرب 2006
لا تزال حرب تموز في العام 2006، تحتاج للكثير من الدراسات والقراءات. فمحور المقاومة يضعها في خانة البرنامج الأميركي الإسرائيلي الواضح للإرساء دعائم الشرق الأوسط الجديد وأنها كانت حرباً على المحور ككل. في مقابل خصوم حزب الله الذين يعتبرون أن الحزب هو الذي افتعل الحرب بعملية اسر الجنود الإسرائيليين، وذلك بهدف تغيير موازين القوى والانقلاب على التوازنات السياسية التي أرسيت بعد اغتيال الحريري، وبعد خروج الجيش السوري من لبنان. فيما آخرون يضعون تلك الحرب بأنها دافع إيراني لاستدراج العروض من الأميركيين والتفاوض معهم. ويعتبر هؤلاء أن حرب تموز هي التي فتحت مسارات التفاوض بين واشنطن وطهران، والتي تعززت وتكرست في العام 2008 مع انتخاب باراك أوباما رئيساً للولايات المتحدة الأميركية.
ما بعدها، بدأت الولايات المتحدة برئاسة أوباما اعتماد سياسة احتواء إيران بدلاً من المواجهة معها. اليوم هناك مشاهد تتكرر، وإن بنتائج وظروف مختلفة، على الرغم من التشابه. فهناك وجهة نظر ترتكز على أن عملية طوفان الأقصى جاءت بهدف ضرب مسار التطبيع في المنطقة، وقطع الطريق على تحالفات جديدة، وجدت طهران نفسها مستهدفة فيها، كما كل حلفائها بمن فيهم حركة حماس. إذ أن المفاوضات التي كانت تقودها الولايات المتحدة الأميركية لإيجاد حل للقضية الفلسطينية مقابل عقد المزيد من اتفاقات التطبيع مع اسرائيل، همّشت حماس وركزت على السلطة الفلسطينية، لتأتي عملية طوفان الأقصى وتقلب كل الموازين.
قمة النورماندي
لا تزال الحرب مستمرة بين وجهتين. الإسرائيليون يريدون القضاء على القضية الفلسطينية وإلغاء أي فرصة لإعلان الدولة، مقابل إصرار حماس على مواصلة القتال والاستمرار في حكم غزة، واعتبار أن القضية الفلسطينية أصبحت القضية الأولى عالمياً. أما القوى العربية مع السلطة الفلسطينية فيسعون إلى إعادة التفاوض حول حلّ الدولتين والاعتراف بالدولة الفلسطينية وسط رفض اسرائيلي قاطع لذلك.
في العام 2006 كان لبنان هو مسرح الحرب الواسعة ذات البعد الإقليمي لإرساء التوازنات. اليوم، لبنان يشهد مواجهات لكنها تبقى مضبوطة إلى حدّ ما، وسط قرار إيراني أميركي مشترك بعدم الدخول في حرب واسعة.
على وقع هذه التطورات والظروف، تأتي قمة النورماندي، التي تشير إلى ضرورة استعادة الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، ضمن سياسية الإحتواء وليس سياسة المواجهة. والبيان الصادر عن رؤساء دول وحكومات الولايات المتحدة وفرنسا والمملكة المتحدة، الذي وصف الحفاظ على الاستقرار في لبنان بأنه أمر بالغ الأهمية. وأكدوا تصميمهم على توحيد الجهود لدعم وقف التصعيد على طول الخط الأزرق، وفقًا للقرار 1701، داعين جميع الأطراف إلى ممارسة أقصى درجات ضبط النفس، لتجنب أي تصعيد إقليمي إضافي.
يؤشر ذلك إلى نوع من الحصانة الدولية التي تحاول هذه القوى توفيرها لمنع حرب إسرائيلية على لبنان ولمنع الإسرائيليين من التصعيد. وهذا يتقاطع مع وجهة نظر أخرى تشير إلى التعاطي الدولي الواقعي مع غلبة حزب الله لبنانياً، وسط إصرار إيران على تحقيق الغلبة الإقليمية.
الإصرار الأميركي
في ظل هذه التطورات، يأتي الإصرار الأميركي على ممارسة أقسى أنواع الضغوط لوقف النار في غزة، وصولاً إلى التحذيرات الأميركية التي صدرت باتجاه الإسرائيليين ونصيحتهم بأن وقف الحرب في غزة سيسهم في تجنب الحرب ضد حزب الله، لأن أي حرب مع لبنان ستؤذي إسرائيل كثيراً، وقد تسهم في تدخل إيران أو اتساع رقعة الحرب. وهو ما لا تريده واشنطن. أمام هذه الوقائع، تعمّد حزب الله تصعيد عملياته العسكرية في الأيام الماضية، وتحقيق إصابات مباشرة وضرب أهداف نوعية، في سبيل منع التصعيد الإسرائيلي، ولإيصال رسالة واضحة للإسرائيليين مفادها ضرورة عدم اتخاذ قرار بتوسيع الجبهة مع لبنان.