كتبت راكيل عتيق في “نداء الوطن”:
المسؤولون لا يزالون يشكون من عمل الـUNHCR التي تُتهم تارةً بعدم التعاون كما يجب مع السلطات اللبنانية وتارةً أخرى بمحاولة توطين أو دمج النازحين السوريين في المجتمع اللبناني، فضلاً عن مخالفات وتجاوزات عدة تستمرّ في ارتكابها. هذا إضافةً إلى أنّها لم تسلّم «داتا» النزوح المطلوبة إلى المديرية العامة للأمن العام حتى الآن، ويُرتقب قرار الحكومة في حال لم تلتزم التسليم في غضون نهاية الشهر الجاري. وكانت الذروة في «استخفاف» مفوضية اللاجئين بالدولة اللبنانية عبر الكتاب الأخير الذي وجهته إلى وزارة الداخلية والبلديات، قبل أن تسحبه، وطلبت فيه من الوزارة النظر في قرارات مُتخذة.
في ظلّ تقاعس السلطة وغياب الحكومة عملياً، توجّه حزب «القوات اللبنانية» إلى المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بالفعل وليس بالشعارات، إذ تقدم وفد من تكتل «الجمهورية القوية» بكتاب إلى المفوضية وهناك تحرّك «قواتي» شعبي وديبلوماسي لنواب في اتجاه بروكسل. هذا علماً أنّ تحرُّك «القوات» في اتجاه المفوضية ليس جديداً بل بدأ منذ ما قبل 7 تشرين الأول 2023 لإعداد عريضة نيابية تهدف إلى إغلاق مكاتب المفوضية في لبنان، إلّا أنّ «طوفان الأقصى» وما تلا هذه العملية من فتح الجبهة الجنوبية ضدّ إسرائيل حجبا الضوء عن الأولويات الأخرى، إلى أن انفجر ملف النزوح إثر مقتل منسّق «القوات» في جبيل باسكال سليمان.
العلاقة التي تجمع مفوضية اللاجئين – المكتب الإقليمي في بيروت مع السلطات اللبنانية وتحديداً الأمن العام، أساسها المذكرة الموقعة في 9 – 9 – 2003، التي تنص على أنّ لبنان ليس بلد لجوء إنّما عبور. إلّا أنّ المفوضية تلتف على هذه المذكرة وعلى الاتفاقية الدولية لشؤون اللاجئين في 28 – 7 – 1951 والبروتوكول الموقّع عام 1967، وتمنح صفة لاجئ لكلّ من يتقدّم بطلب لجوء أمامها. فيما دور مفوضية اللاجئين، عملاً بأحكام هذه المذكرة وتحديداً بالفقرة الثالثة منها، يقضي بأن تستقبل طلبات اللجوء وتدرسها وأن تؤمّن بلداً ثالثاً لهؤلاء خلال عام وإلّا إعادتهم إلى سوريا، وفق ما يشرح الخبير القانوني المحامي سعيد مالك لـ»نداء الوطن».
الأزمة مع المفوضية انفجرت تراكمياً، وكان الانفجار الكبير مع الكتاب الذي وجّهته المفوضية بشخص المدير الإقليمي إلى وزارة الداخلية. هذا الكتاب تعتريه عيوب شكلية، إذ كان يجب أن يمرّ عبر المفوض السامي لشؤون اللاجئين فيليبو غراندي وعبر القنوات الديبلوماسية، وتحديداً عبر وزارة الخارجية اللبنانية، عملاً باتفاقية فيينا لعام 1961 المتعلّقة بالعلاقات الديبلوماسية، بحسب مالك. وإلى العيوب الشكلية تضمّن هذا الكتاب تجنياً وتعدياً وتخطياً لمفهوم سيادة الدولة بحيث طلب من وزارة الداخلية العودة عن تدابير سبق أن اتخذتها. فعملاً بحق السيادة لا يُمكن لأي طرف مهما علا شأنه أن يملي على السلطات اللبنانية اتخاذ قرارات كهذه.
على رغم أنّ وزير الخارجية تدخّل وطلب سحب الكتاب والتزمت المفوضية بذلك، إلّا أنّ الكتاب فعل فعله، بحسب مالك، فبمجرد توجيهه تحقّق الفعل ونتائجه. لذلك يجب أن يكون هذا الكتاب موضوع إخبار إلى النيابة العامة التمييزية لأنّه تضمّن دعوة إلى التحريض والفتنة ما بين الشعبين السوري واللبناني، وهذه أفعال منصوص عنها في قانون العقوبات اللبناني.
كذلك يحق للسلطات اللبنانية أمام التجاوزات التي تُقدم عليها مفوضية اللاجئين وخصوصاً ما أقدم عليه المفوض بمكتب بيروت، أن تتخذ القرار بسحب الإقامات والتأشيرات من موظفي هذه المفوضية وسحب البطاقات الديبلوماسية أيضاً منهم وإبلاغهم بأنّهم غير مرغوب بهم في لبنان وأن يُطردوا من البلد، عملاً باتفاقية فيينا لعام 1961، كما فعلت دول أخرى ومنها ليبيا عام 2010. ويعتبر مالك أنّ الأمور ذاهبة إلى تفاقم أكثر وتصعيد أكبر كون مفوضية اللاجئين حتى تاريخه، لا تزال تبحث عن حلول لما اصطلح على تسميتهم باللاجئين أو النازحين، علماً أنّ هذين التواجدين غير شرعيّين، لأنّ اللجوء يقتضي أن تكون الدولة منتسبة إلى اتفاقية عام 1951 فيما أنّ لبنان ليس جزءاً منها، كذلك ليسوا نازحين لأنّ النازح يكون داخل الدولة الواحدة وعندما يتخطّى الحدود لا يعتبر نازحاً عملاً بالقانون الدولي.
قرار طرد موظفي المفوضية في لبنان يُتخذ من الحكومة. لكن هذا لا يعني قطع العلاقات الديبلوماسية بين لبنان والمنظمة الدولية ولا يؤثر على المساعدات التي تقدّمها المفوضية للسوريين أو اللبنانيين في لبنان. أمّا إذا قرّر لبنان أن يفرض على المفوضية وقف منح المساعدات للسوريين فيُمكنه أن يتخذ هذا القرار عبر الحكومة أيضاً. ويركّز مالك على أنّ المساعدات الممنوحة للنازحين من المفوضية تطرح أكثر من علامة استفهام. فكيف يُصار إلى فتح حسابات للمفوضية في مصارف محلية والإجازة لهؤلاء بالاستفادة من بطاقات وقسائم ضمن إطار سحوبات من هذه المصارف؟ كيف يستقبل المصرف عميلاً أو «ساحباً» من دون أن يتأكد من إقامته وقانونية تواجده في الدولة؟ وهذا يشير إلى الفوضى العارمة في هذا الملف. لكن متى قرّرت الحكومة وقف المساعدات لدفع السوريين إلى العودة إلى بلادهم، طالما أنّ غالبية المسؤولين والأفرقاء السياسيين يعتبرون أنّ هذه المساعدات تشجّعهم على البقاء في لبنان، فهذا من القرارات السيادية التي يحق للدولة أن تتخذها.