عماد الشدياق نقلاً عن “القدس العربي”
حرب أو معركة “طوفان الأقصى” التي شنتها حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، وردّت إسرائيل بتسمية أخرى عليها، هي “السيوف الحديدية”، دخلت شهرها الثالث.
تلك الحرب هي الأطول من بين كل الحروب التي خاضتها إسرائيل في تاريخها منذ عام 1948. كما أنّها الحرب الأكثر وحشية ودماراً، والحرب الأكثر استهدافاً للصحافيين بشكل خاص.
مراسلون بلا حدود
فاق عدد الصحافيين الذين قتلتهم إسرائيل، عدد الصحافيين الذين قُتلوا في “حرب فيتنام” كلّها، كما فاق هذا العدد كذلك عدد الصحافيين الذين قُتلوا خلال الحرب العالمية الثانية!
تقول منظمة “مراسلون بلا حدود”، إنّ الحصيلة التي سجلتها في حرب غزة، هي الأكبر في صفوف الصحافيين الذين يُغطون هذا النزاع، منذ تأسيس المنظمة في عام 1992.
كل هذه الأرقام والإحصاءات، تُظهر أنّ إسرائيل والمنظمات المؤيدة لها، تقوم بتلك الجرائم بأسلوب ممنهج، بل تمارس تحريضاً غير مسبوق في حدّته وخطورته ضد الصحافيين، لدرجة أنّ نقابة الصحافيين الفلسطينيين، اعتبرت أن ذلك هو بمنزلة “دعوة صريحة إلى استهداف الصحافيين وقتلهم”. خلال الحرب، نشر موقع وزارة الخارجية الإسرائيلية، وكذلك وسائل إعلام عبرية، أسماء وصورَ صحافيين فلسطينيين، يعمل عدد منهم لصالح وكالات أنباء عالمية، متهمة إياهم وفق تقرير، تبنته الخارجية، صادر عن منظمة “أونست ريبورتينغ” المنحازة لإسرائيل، بأنّهم كانوا على دراية بموعد الهجوم الذي نفّذته حركة “حماس” ضد مستوطنات غلاف غزة، ما أثار موجة شجب واستنكار ضد سلوك إسرائيل وطريقة تعاملها مع الصحافيين.
موجة غضب إضافية انتابت عدداً كبيراً من الصحافيين أيضاً، بعد تصريحات ممثّل إسرائيل لدى الأمم المتحدة، الذي ادعى بما يوحي بأنّ جيش بلاده لديه الحق في قتل الصحافيين الذين يغطون الأحداث من الجانب الآخر غير الإسرائيلي. وبذلك، تكون إسرائيل قد تجاوزت جميع الأعراف الدولية والخطوط الحمر المتعارف عليها في كل العالم لناحية تحييد الصحافيين عن الصراعات وحمايتهم.
إسرائيل ترسي سوابق
من بين العديد من المنظمات الدولية وتلك غير الحكومية، أعرب “الاتحاد الدولي للصحافيين الأحرار” عن استنكاره لتلك الجرائم، وتوجّه إلى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، بكتاب هو “نداء عاجل”، أعرب فيه الاتحاد أمام المنظمة الدولية، عن احتجاجه واستنكاره لتلك الجرائم. الكتاب أكد أنّ الاتحاد “يشعر بالقلق، ويعرب عن احتجاجه الشديد على الكلمات اللاإنسانية، التي أدلى بها الممثل الإسرائيلي لدى الأمم المتحدة حول نيته تصفية العاملين في وسائل الإعلام الذين يغطون أنشطة حماس والفصائل الفلسطينية جسدياً”. ويبدو أنّ إسرائيل من خلال سياستها تلك، تخطط لإرساء سوابق تؤسّس لخلق مبدأ عام يتناسب مع ما تقوم به في أيّ حرب مستقبلية قد تشنها. وهذه السابقة هي اعتبار أيّ جسم أو فريق صحافيّ يغطي أي حرب ضدها، على أنّه “هدف عسكري مشروع”. وما يزيد في الأمر خطورة، هو أنّ إسرائيل لا تكتفي بتوجيه الاتهامات إلى الصحافيين العرب أو الصحافيين العاملين في المحطات والقنوات التلفزيونية العربية فحسب، بل أيضاً لأولئك العاملين في الوسائل الإعلامية الغربية مثل “رويترز” و”أسوشيتد برس”.
هل من سوابق مماثلة في العالم؟
ويُعدّ استهداف الصحافيين أمرا نادرا في الحروب حول العالم، خصوصاً في العقود الأربعة الماضية، مع انتشار مفاهيم حقوق الإنسان وقوانين الحرب بكثافة، لكن ثمّة سوابق مشابهة حصلت في بعض النزاعات حول العالم، وكان آخرها النزاع في شرق أوكرانيا. حاولت كييف تنميط هذا العمل، خصوصاً مع تقدم جماعة “النازيين الجدد”، وتصدرهم المشهد السياسي في أوكرانيا اعتباراً من عام 2014. وخلال هذا العام مثلاً، وتحديدياً خلال المرحلة الأولى من الصراع بين شرق وغرب أوكرانيا، استخدمت كييف بعضا من التكتيكات المشابهة لتلك الإسرائيلية اليوم، وتعاملت مع الصحافيين بكثير من القسوة والعنف.
لاحقاً ومع احتدام الصراع، قُتل الصحافي أناتولي كليان، الذي يعمل في الشبكة الأولى من التلفزيون العام الروسي بالرصاص في شرق أوكرانيا، حيث كان يقوم بتصوير تظاهرات بالقرب من وحدة عسكرية أوكرانية في منطقة دونيتسك. وفي العام نفسه أيضاً، قُتل صحافيان يعملان في التلفزيون العام الروسي في منطقة لوغانتسك، بقذائف هاون اتهمت هيئة الاذاعة والتلفزيون الروسية العامة القوات الاوكرانية بإطلاقها. ولم يتوقف استهداف الصحافيين، فقد قُتل أيضاً المصور الإيطالي أندريا روتشيلي قرب سلافيانسك مع مساعده الروسي اندري ميرونوف، واتُهمت القوات الأوكرانية بفعل ذلك. أما القضية الأشهر فكانت يوم قتلت الملازمة الأوكرانية ناديجدا سافتشينكو الشهيرة التي كانت من القوميين الأوكرانيين، صحافيَين روسيين، ثم دخلت السجن في روسيا لسنوات بسبب ذلك، قبل إطلاق سراحها لاحقاً بموجب صفقة تبادل أسرى.
أمّا خلال الحرب الأوكرانية الأخيرة (2022)، فقد مُنع الصحافيون الروس من تغطية الحرب من الجانب الأوكراني، باعتبارهم “أعداء”، كما تعرّض مراسلو قنوات عربية وغربية للضرب والمضايقات، ومنهم مراسل قناة “الميادين” في كييف الصحافي اللبناني عباس صباغ، الذي احتجزته القوات الأوكرانية لأيام قبل ترحيله إلى لبنان، على الرغم من أنّه يحمل الإقامة الأوكرانية. كما تعرض عدد آخر من الصحافيين للتنكيل وربطهم عراه بأعمدة الكهرباء واتهامه بتغطية الأخبار من وجهة نظر روسية… وقد انتشرت فيديوهات توثّق هذه الحوادث على مواقع التواصل الاجتماعي بداية الحرب.
كل هذا يؤكد أنّ مهنة الصحافة هي مهنة خَطِرة، وأنّ القوانين والأعراف غير قادرة على حماية المراسلين والصحافيين بشكل تام، وهناك الكثير من الجهود بذلها ما زال مطلوباً من أجل حماية المهنة ومن يعملون بها حول العالم.