كامل جميل – الخليج أونلاين
مركز الصراع غزة، ومركز الحوار الدوحة، ولإنهاء الصراع يجب المرور عبر بوابة الحوار، ذلك ما يمكن قراءته مما جرى ويجري حتى اليوم على خارطة التحركات والاتصالات الهاتفية التي يجريها كبار قادة العالم وسياسييه.
الدوحة التي أكدت تجاربها أنها تحمل بطاقات الحوار الرابحة عند دخولها وسيطاً لحل الخلافات، تحولت منذ 7 أكتوبر الماضي إلى “سنترال” لا يهدأ في الرد على اتصالات ترد من مختلف العواصم، حيث تبحث عن حلّ لمشاكل دولية تؤرق أحداثها العالم وتتسبب بأضرار لمصالح العديد من الدول.
“طوفان غزة” العملية الفلسطينية التي فاجأت وأدهشت العالم بأسلوب وسرعة تنفيذها، وتمكنها من زرع الرعب في قلوب الإسرائيليين، لم يكن الردّ عليها “إسرائيلياً” بذات النوعية في التنفيذ، بل كان تدميراً شاملاً لكل شيء في غزة، واستهدافاً للمدنيين في حرب “انتقام” حقيقية.
الوساطة القطرية
يضاف إلى امتلاكها قوة التأثير على أحد طرفي الصراع المتمثلة بـ”حماس”؛ فإن نجاح قوتها الناعمة في كسب الأصدقاء بما يساعدها في تحقيق النجاحات عند الشروع بوساطات ما، أو ما نجحت في تحقيقه سابقاً في حل خلافات أرهقت الدول، وأفغانستان نموذجاً لذلك، جعل الدوحة قبلة لحجيج الوساطة من أجل غزة.
ومنذ 7 أكتوبر دخلت قطر في جهود وساطة عبر اتصالات مختلفة لتأمين الوصول إلى حلّ ينهي الحرب التي كان متوقعاً لها أن تشهد تصعيداً إسرائيلياً بشعاً ضد المدنيين كما هي عادة جيش الاحتلال.
وواصلت الدوحة بذل جهودها الدبلوماسية الحثيثة في مساعيها إلى التوصل بداية لهدنة إنسانية، تمكن من دخول المساعدات الإنسانية والغذائية والإغاثية والطبية لسكان غزة من جهة، وإتمام صفقة تبادل للأسرى من جهة أخرى، بحسب ما كان يعلن عبر هذه التحركات.
وأمكن لقطر ذلك وأثبتت، الجمعة (24 نوفمبر 2023)، مرة أخرى، علو كعبها في المفاوضات، حين دخلت الهدنة الإنسانية المؤقتة بين “إسرائيل” والفصائل الفلسطينية حيز التنفيذ وبدأت عمليات تبادل الأسرى.
غرفة عمليات قطر
شبكة “إن.بي.سي” الأمريكية كشفت عن التحركات السياسية القطرية بشأن الحرب في غزة، حيث نشرت تقريراً مصوراً، السبت (25 نوفمبر)، داخل مقر غرفة العمليات الخاصة بمتابعة ملف الهدنة الإنسانية وعمليات تبادل الأسرى في القطاع.
ورصدت الشبكة الأمريكية من داخل مقر الغرفة متابعة الهدنة الإنسانية وتنفيذ اتفاق الرهائن والأسرى الذي تشرف عليه وزارة الخارجية القطرية.
وقال المفاوض الرئيسي داخل الغرفة، محمد الخليفي، إن تنفيذ الاتفاق حقق في اليوم الأول تقدماً كبيراً، معرباً عن أمله في إطلاق رهائن أمريكيين خلال الدفعات القادمة.
“الحج” إلى الدوحة
الدوحة التي تواصل عملها بصفة وسيط لنقل الرسائل بين الأطراف؛ لضمان سير الاتفاق إيجابياً، عملت دبلوماسيتها بشكل جاد على تأمين الالتزام بتطبيق بنود الهدنة الإنسانية، ومواصلة سعيها الحثيث لوقف شامل ودائم للحرب.
ومن خلال إحصاء أجراه “الخليج أونلاين” للقاءات والاجتماعات والاتصالات الهاتفية التي أجريت في هذا الصدد، يمكن التأكد من أن دور قطر لا يمكن الاستغناء عنه في الوساطة بأزمة غزة.
ويبرز هنا أن أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، ووفق ما تحقق منه “الخليج أونلاين” تلقى 26 اتصالاً هاتفياً منذ 7 أكتوبر حتى كتابة هذا التقرير (الأحد 26 نوفمبر 2023) من كبار قادة العالم، تعلقت بالحرب في غزة والأوضاع في فلسطين، دون أن يجري بنفسه اتصالاً مماثلاً.
ذلك يزيد من تأكيد دور قطر المؤثر، لا سيما أن الاتصالات التي أجراها الرئيس الأمريكي جو بايدن بأمير قطر تبلغ 5 من مجموع هذه الاتصالات، وقال إنه يدين للشيخ تميم “بشكل خاص”، وسيواصل العمل معه في ملف الأسرى.
ومن بين المتصلين فوميو كيشيدا رئيس وزراء اليابان، وجاستين ترودو رئيس وزراء كندا، والرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، وملك الأردن عبد الله الثاني، والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، والتركي رجب طيب أردوغان، وبيدرو سانشيز رئيس وزراء إسبانيا، ومارك روته رئيس وزراء هولندا.
كما شارك أمير قطر خلال هذه الفترة في 6 مشاركات خارجية، أبرزها القمة العربية الإسلامية المشتركة غير العادية في السعودية، وقمة القاهرة للسلام في مصر.
وعقد أيضاً 17 اجتماعاً، أبرزها مع الرئيسين الإيراني والمصري، والملك عبد الله الثاني والرئيس الإماراتي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، وأنتوني بلينكن وزير خارجية الولايات المتحدة، وأولاف شولتس مستشار ألمانيا.
بطبيعة الحال فإن وزارة الخارجية القطرية التي تتولى التحركات الدبلوماسية حول الحرب في غزة هي من تقود الجهود في التواصل مع مختلف القيادات الدبلوماسية بالعالم في هذا الصدد.
ومنذ 7 أكتوبر أجرى رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني 25 اجتماعاً، و50 مكالمة هاتفية، وأجرى وزير الدولة بالخارجية محمد بن عبد العزيز الخليفي 8 اجتماعات و4 اتصالات هاتفية.
وأجرت وزيرة الدولة للتعاون الدولي لولوة بنت راشد الخاطر 21 اجتماعاً وجولتين خارجيتين و3 اتصالات هاتفية، فيما عقد وزير الدولة للشؤون الخارجية سلطان بن سعد المريخي 5 اجتماعات و4 اتصالات هاتفية.
وأصدر المتحدث الرسمي باسم الخارجية القطرية، د. ماجد الأنصاري، 9 إحاطات إعلامية، وأجرى 11 اجتماعاً، وبلغ عدد البيانات الرسمية التي أصدرها على لسان قطر 29 بياناً.
وجميع هذه الاتصالات واللقاءات التي أجراها المسؤولون القطريون كانت مع مسؤولين كبار في وزارات خارجية بلدان مختلفة.
قطب رحى دولي
يرى المحلل السياسي إياد الدليمي أن قطر نجحت في أن تكون “أحد أقطاب الرحى” من خلال قوتها الناعمة المتمثلة بالدبلوماسية التي نشطت فيها الدوحة منذ ما يقرب من عقد ونصف العقد.
ويؤكد الدليمي لـ”الخليج أونلاين” أن “الدوحة بالفعل تحولت إلى قطب رحى دولي لا يمكن تجاهله أو تجاوزه في أي أزمة يمكن أن تعصف بهذا العالم، بغض النظر عن المنطقة التي يمكن أن تقع فيها تلك الأزمة، وهو ما يظهر رؤية واضحة في رسم السياسة الخارجية لدولة قطر وقدرة على تنفيذ هذه الرؤية التي حولتها إلى قوة دولية محترمة يلجأ إليها كبير الدول قبل صغيرها”.
قوة قطر الدبلوماسية وقدرتها تأتي من “إيمانها بضرورة أن تكون فاعلاً بارزاً على الساحة الدولية، وأيضاً من كونها طرفاً موثوقاً به دولياً”، بحسب الدليمي، الذي يلفت إلى أن الدوحة في العديد من المراحل كانت تلتزم بتعهداتها، وتعرف لعبة التوازنات الإقليمية والدولية، وتمد خيوط التواصل والعلاقة مع مختلف دول العالم.
وأشار المحلل السياسي إلى نجاحات قطر المهمة في أفغانستان، والإفراج عن أسرى أطفال في الحرب الروسية الأوكرانية، ويؤكد: “حالياً، لا يمكن لأي هدنة أن تتم في الحرب الإسرائيلية على غزة دون قطر ودبلوماسيتها”.