كتب وضاح حيدر – الخليج أونلاين
غاب النظام السوري عن مشهد الحرب في غزة، مكتفياً فقط بالحديث الإعلامي “الخجول”، فيما حلفاؤه في ما يسمى “بمحور المقاومة” قاموا بالاشتباك مع الاحتلال الإسرائيلي.
فالحوثي في اليمن يواصل استهداف السفن الإسرائيلية قبالة مضيق باب المندب، وقصف مدينة “إيلات” الإسرائيلية، فيما قتل 90 جندياً من عناصر “حزب الله” اللبناني منذ 8 أكتوبر الماضي، حيث بدأت الاشتباكات المسلحة في المناطق الحدودية بين الحزب والجيش الإسرائيلي.
في المقابل، كانت مواقف المعارضة السياسية أكثر حدية من الأسد تجاه الحرب في غزة، حيث اعتبر رئيس الحكومة السورية المؤقتة، عبد الرحمن مصطفى، أن “جرائم نظام الأسد بحق السوريين شكلت مثالاً يحتذى لـ”إسرائيل” في كل ما ترتكبه من جرائم بحق الشعب الفلسطيني في قطاع غزة”.
الصبر الاستراتيجي
منذ بدء الحرب في غزة شنت “إسرائيل” عشرات الغارات على مواقع عسكرية للنظام داخل سوريا، كان أبرزها قصف مطاري دمشق وحلب عدة مرات، وإخراجهما من الخدمة، فيما بقي الأسد صامتاً ولم يحرك ساكناً.
صمت الأسد وصفه إعلاميون مقربون منه بأن ضمن سياسة “الصبر الاستراتيجي”، التي تعني أن “الرد” منوط بقرار النظام وحده.
كما قالت صحيفة “البعث”، التي يديرها حزب البعث العربي الاشتراكي الحاكم في سوريا، يوم 20 نوفمبر الماضي: إن “الضربات الإسرائيلية لن تستفز هدوء سوريا الاستراتيجي، والسياسة السورية ترتكز على التحوط والابتعاد عن المغامرات غير المحسوبة”.
لكن في المقابل، تواصل قوات الأسد قصف المدنيين في الشمال السوري الذي تسيطر عليه قوات المعارضة، ويصف عملياته هناك المستمرة منذ مطلع أكتوبر الماضي بـ”تدمير أوكار الصهاينة”، في إشارة إلى ربط المعارضة بـ”إسرائيل”.
وفي أعقاب هجوم “حماس”، يوم 7 أكتوبر الماضي ضمن عملية “طوفان الأقصى”، نشرت “رئاسة الجمهورية السورية” صورة على صفحتها الرسمية في “فيسبوك” وعليها خارطة فلسطين ومن خلفها المسجد الأقصى، وهو ما اعتبرته أوساط مقربة منه تأييداً ضمنياً للعملية.
يشرح موسى قرقور، المحلل المختص بعلم المخاطر والأمن والصراعات، “سياسة الصبر الاستراتيجي” بأنه “مصطلح تخديري اخترعه النظام السوري من أيام حافظ الأسد من أجل تهدئة الجماهير وإيهامهم أنه يعد العدة من أجل تحرير فلسطين”.
وأضاف، لـ”الخليج أونلاين”: “استخدم النظام هذا المصطلح لتحويل 75% من ميزانية سوريا إلى وزارة الدفاع، من أجل الترويج بأنه يعد العدة لقتال “إسرائيل” وطردها من المنطقة، ولكن في النهاية شاهد العالم كيف استخدم أسلحة البلاد لقتل شعبها من أجل البقاء في السلطة”.
منع التظاهرات
وضمن “سياسة الصبر الاستراتيجي وعدم الانجرار لمغامرات غير محسوبة” التي أعلنها النظام، فرض استخراج “موافقة أمنية” من جهات المخابرات السورية من أجل تنظيم فعاليات ووقفات تضامنية مع غزة، وهي غالباً ما تكون شبه مستحيلة.
وبررت صحيفة “البعث” الخطوة بأنها في سبيل “الحماية من الإرهاب والعصابات المسلحة والحفاظ على الأمن والأمان”.
ووفق “مجموعة العمل من أجل فلسطينيي سوريا”، فإن ممثلي الفصائل الفلسطينية والأهالي في مخيم خان دنون بريف دمشق والعديد من المخيمات اشتكوا من العراقيل التي تضعها الأجهزة الأمنية السورية، حيث لا يمكن تنظيم أي تظاهرة أو وقفة دون المرور بدراسة أمنية مشددة قد تستغرق أسابيع، وقد تأتي بالرفض.
كما شمل التضييق الأمني رفض الموافقة على وقفة تضامنية بالشموع لأطفال في مخيم خان دنون، حيث أعلن نشطاء المخيم عن تنظيمها تضامناً مع أطفال غزة.
وبالتزامن مع بدء الحرب في غزة والتهديدات الإيرانية بتوسيع نطاق الحرب، ذكر موقع “أكسيوس” الأمريكي، في 23 أكتوبر الماضي، أن “الإمارات حذّرت الأسد من التورط في حرب حماس وإسرائيل”، مشيراً إلى أن “العديد من الدول، بما في ذلك الولايات المتحدة، تشعر بقلق بالغ من أن الحرب قد تمتد إلى لبنان أو سوريا”، وتتصاعد إلى “صراع إقليمي”.
وأضاف “أكسيوس” أيضاً أن “المسؤولين الإماراتيين وجهوا رسائلهم إلى مسؤولين سوريين رفيعي المستوى، وأطلعوا إدارة الرئيس الأمريكي، جو بايدن، على اتصالاتهم مع نظام الأسد”.
ومنذ أن احتلت “إسرائيل” هضبة الجولان السورية خلال حرب الأيام الستة عام 1967، نادراً ما تشهد أحداثاً أمنية كبيرة من جانب النظام السوري، حتى إنها صارت توصف بـ”جبهة هادئة” على نحو أكبر من باقي الجبهات المحيطة بـ”إسرائيل”.
وفي هذا الصدد يقول موسى قرقور: إن “النظام السوري لم يطلق طلقة واحدة باتجاه “إسرائيل” منذ 50 عاماً، ضمن اتفاقيات وترتيبات أمنية معينة بموجب الهدنة عام 1974، ومنذ ذلك التاريخ لم تقدم سوريا على أي عمل عدائي ضد “إسرائيل””.
كما يشير إلى أن “نظام الأسد يعتبر أن بقاءه من بقاء إسرائيل، كما صرح مسؤولون في نظامه بداية الثورة السورية عام 2011”.
ويتحدث المختص في الأمن والصراعات أنه “على الرغم من أن النظام السوري متحالف مع إيران ومليشياتها فقد طلب رسمياً منهم عدم إحداث أي عمل عدائي ضد “إسرائيل” انطلاقاً من أراضيه، فيما أكدت عدة مصادر أمنية أوروبية أنه كان يطلب من الإسرائيليين والروس، بقنوات غير مباشرة، قصف مواقع حزب الله والمليشيات الإيرانية؛ لتأديبها والحد من نفوذها الذي صار يطغى على وجوده”.
كما يشير قرقور إلى أن “النظام السوري لا يصمت، بل يصرح ويندد إعلامياً، أما عملياً فإنه يأمل أن يساهم رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، بإعادة شرعنته دولياً”.