كتب علي حمادة…
لم يعد يخفى على المراقبين ان المشروع الإيراني في المنطقة يستهدف فيما يستهدف استقرار المملكة الأردنية الهاشمية. فالضغط على الحدود الأردنية – العراقية الذي تمارسه الفصائل العراقية التابعة لإمرة “فيلق القدس” بقيادة إسماعيل قآني من خلال حشد جمهور على معبر طرايبيل الحدودي اتى بذريعة محاولة الوصول الى الحدود مع إسرائيل عبر الأردن لنجدة غزة! طبعا كان يكفي ان ينظر منظمو هذه الفعالية الشعبية الى خريطة الشرق الأوسط ليكتشفوا ان الطريق الأقصر الى الحدود الاسرائيلية تمر عبر سوريا التي باتت ملعباً مفتوحاً امام الإيرانيين والفصائل التابعة لهم. وبالتالي فإن اقرب نقطة الى الحدود للضغط على إسرائيل تكون على خط وقف اطلاق النار في الجولان بين سوريا والجولان المحتل.
لم يتكلف منظمو الحشد على الحدود العراقية مع الأردن عناء التفكير بمسار اسهل وارحب واقصر واكثر فاعلية، خصوصا ان ايران تتمتع بنفوذ حاسم في سوريا يمكّنها من ادخال عشرات الآلاف لا بل الملايين من الأشخاص المشحونين بالشعارات المرفوعة. فلماذا الإصرار على الحشد على حدود الأردن، لاسيما أن الأخير أعلن منذ اللحظة الأولى رفضه القاطع استخدام أرضه ممرا لهذا النوع من المظاهرات الآتية من خارج الحدود. فالأهداف معروفة، والفصائل العراقية التي حشدت مناصريها تعرف تماماً ان أي محاولة لاختراق الحدود سوف تواجه بالقوة الحاسمة من القوات الأردنية.
هذه ليست المرة الأولى التي يستهدف فيها الأردن. فقبل عملية “طوفان الأقصى” كانت الازمة الكبيرة بين الأردن والنظام في سوريا ومن خلفه الناظم الإيراني لكل ما يدور ضمن نطاق سلطة النظام. فعمليات تهريب المخدرات المنظمة عبر الحدود الأردنية بمختلف الوسائل لم تتوقف. كما ان تهريب الأسلحة والذخائر استمر بوتيرة عالية عبر الحدود السورية – الأردنية. وعلى الرغم من قيام المحور العربي بإعادة النظام السوري الى حلقة الشرعية العربية بدءاً من مقعد سوريا في الجامعة العربية، لم تقم دمشق بأي خطوة توحي بانها غيرت سياستها المزعزعة لاستقرار الجوار. فبالرغم من ان الأردن ومعه جميع الدول الخليجية وضعوا شرطاً أساسياً لتطبيع العلاقات مع دمشق يتمثل بمكافحة السلطات السورية لآفة تهريب المخدرات والسلاح الى الخليج عبر الأردن، فقد ارتفعت وتيرة التهريب من سوريا وبرعاية وتنسيق من الإيرانيين واذرعهم في سوريا ولبنان، الى حد أصبحت فيه عمان على قاب قوسين او أدنى من القيام بحملة عسكرية في الداخل السوري لتدمير مقرات التصنيع والتوضيب وتنظيم عمليات التهريب.
لم يكن الأردنيون يخفون معرفتهم بوجود دور إيراني يملكون عنه معلومات امنية دقيقة يدير هذه الحملة الكبيرة لإغراق الاردن بالمخدرات وتحويله الى معبر ضخم لتوزيع المخدرات والأسلحة في اتجاه الخليج العربي والضفة الغربية (تقول معلومات امنية عربية انها تأتي في سياق التحضير لانقلاب حماس والجهاد الإسلامي على السلطة الوطنية الفلسطينية في الضفة الغربية).
ثمة عنصر آخر دخل على خط تهديد امن واستقرار الأردن تمثل في تداعيات حرب غزة، وقيام جهات على صلة امنية بالإيرانيين وبحركة حماس بتحريك الشارع تحت عنوان التضامن مع غزة. وقد اعتبر نداء المتحدث باسم “كتائب القسام” أبو عبيدة في آخر كلمة ادلى بها في اليوم الأول للهدنة بمثابة مؤشر على محاولة جديدة للتلاعب باستقرار الأردن، حيث دعا الأردنيين “الى تصعيد كافة اشكال العمل الشعبي والجماهيري المقاوم”. واضاف: “انتم يا أهلنا في الأردن كابوس الاحتلال الذي يخشى تحركه ويتمنى ويعمل ويجاهد لتحييده وعزله عن قضيته”!
مفهوم الاستهداف الإيراني. لكن ما يصعب فهمه هو قيام حماس بمخاطبة شعب في دولة ذات سيادة بهذه الطريقة، وذلك بصرف النظر عما اذا كان اكثر من 60 في المئة من الأردنيين من أصول فلسطينية. فالأردن يبقى الأردن وهو يتعرض اليوم لحملات قاسية.
المصدر: النهار العربي